IMLebanon

فخامة الرئيس: فلنعُد جميعاً إلى خطاب القسم

ما إن صرح فخامة رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون بأن الجيش اللبناني على شيء من الضعف، وأنه لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة اسرائيل، وأن سلاح حزب الله هو مكمّل لعمل الجيش حتى انتفضت التعليقات الكامنة في حنايا الإعلام الخاص والعام وفي وسائل التواصل الإجتماعي، وفي تعليقات وافرة لسياسيين وحزبيين تناهض هذا التصريح، وتستغربه وذلك على ضوء ما كانت ترتكز إليه من إطلالة حكيمة لفخامة الرئيس، أدلى خلالها بكل مسؤولية ومراعاة لمصالح البلد بخطاب القسم الذي شكّل موقفا وطنيا رصينا أيده الجميع واعتمدوه سندا أساسيا لنظرتهم وتقييمهم للحكم الجديد، بعيداً عن الصورة السابقة التي التصقت بالتيار العوني على مدى أعوام عديدة إلى حد يلامس الإنقسام العمودي الذي طاول الوطن، ولم تنقذه من آفاته ومخاطله إلاّ مواقف الرئيس سعد الحريري الجريئة التي اقتحم من خلالها اسوارا وبروجا مشيّدة، كادت أن تلحق لبنان بجحيم النيران الملتهبة بكل مقومات وجودها، وها نحن وبعض بلدان المنطقة الأخرى المحيطة بنا إحاطة السوار بالمعصم، نعاني اليوم من آثارها في أهم «دياسبورا» طاولت سكان هذه المنطقة العربية الذين طاولتهم النكبات المتلاحقة إلى حد الغرق المهين في مهاوي التشرّد والرّعب، والحرمان من أدنى متطلبات العيش الكريم.

أكثر ما لفت الإنتباه في تصريح فخامة الرئيس الأخير، كونه قد صدر عن رئيس جمهورية لبنان، قمة الهرم في السلطة الدستورية والديمقراطة والذي اعتبره العديدون أنه جاء إلى الرئاسة كأب وكممثل للجميع، فهذا دوره الدستوري وهذا دوره الأبوي، وهذا ما توقعه منه الجميع من خلال خطاب القسم ولواحقه من الكلمات والتصريحات.

وبمفاجأة كاملة، كان هذا التحول في الوضع وفي الموقف وفي سلامة النهج الذي يقتضي أن يسير على هديه، من تسلّم البلاد وشؤونها بأغلبية هامة لم تكن لتتوفر لولا أنها انطلقت أساسا من أكثرية نواب «المستقبل»، وما كان لمسيرة الحدث الإنتخابي الجلل أن تمشي في ذلك الطريق المعبّد، لو قدّر لفخامته أن يلقي كلمته المشكّكة بشكل أو وبآخر بامكانات الجيش اللبناني، وبقدرته على الإمساك بأوضاع البلاد الأمنية، بما فيه شتى الأرجاء والأنحاء وصولا إلى الضاحية الجنوبية وإلى عرسال ووادي خالد وفي قلب العاصمة بيروت، وإنجازات الجيش اللبناني والقوى الأمنية المختلفة التابعة والمساندة له تشهد على ذلك بعشرات بل بمئات الأحداث الخطيرة التي طاولت لبنان من أقصاه إلى أقصاه.

ومن ضمن المصرحين بهذا الصدد بعيد إطلاق فخامة الرئيس التصريح، المعترض عليه ما ورد على لسان نائب رئيس القوات اللبنانية الأستاذ جورج عدوان الذي رفض في تصريح تلفزيوني مثل هذا الوصف أن يطاول جيشنا وهو يحقق نجاحاته الأمنية والمخابراتية نجاحا أثر آخر، كان دافعا لاستقطاب عديد من الدول الكبرى والوسطى والصغرى، ودافعا لها إلى أن تقدم له المساعدات الطارئة تعزيزا لقدرته على مواجهة الأخطار والأضرار، وتأمين الغطاءات السياسية والأمنية له كلما كان هناك استفحال للأوضاع ولو بعض الشيء، دون أن ننسى أن الغالبية العظمى من الجيوش العربية لا يمكنها ان تواجه منفردة جيشا بالغ التطور بحجم الجيش الإسرائيلي، ومع ذلك هي تسعى بكل الجهد والإمكانات إلى أن تبقي حدودها بعيدة عن التحديات الإسرائيلية ومواقفها العدوانية.

لقد تفهمنا جميعا النهج الذي اعتمده الشيخ سعد في مفاجأة الدفع بانتخاب العماد عون لرئاسة الجمهورية، خاصة بعد أن استمعنا إلى خطاب القسم، كما تفهمنا سياسة الفصل بين المواضيع القابلة للمعالجة الفورية أو القريبة وتلك التي طاولها التعقيد والتداخل والحساسيات الشديدة، فوضعت على رفوف مرحلية بانتظار دورها في المعالجة وفي الحلول، وكان خطاب القسم الموقف الوسط الذي يبدو أن فرقاء المصالحة الوطنية الأخيرة التي حملت العماد عون للرئاسة الأولى قد اعتمدوا مبادئه.

ومن هذا المنطلق، كان خطاب القسم ولواحقه من الكلمات الرئاسية، ولم يصل إلى علمنا إطلاقا أنه سيكون لرئيس الجمهورية مواقف تدور حولها خلافات داخلية شديدة ونهج مختلف عن التوافقات العامة كتلك المتعلقة بالدولة البديلة الممسكة بكل الخيوط والخطوط، بما فيها الأمنية والعسكرية، والمتغلغلة في امتدادات المنطقة بأسرها بأشخاصها وطاقاتها المعززة «بجيش لبناني» بديل، منتم إلى دولة بديلة حيث يرفض الكثيرون التعامل بصدده إلاّ باعتباره مرحلة طارئة لا بد وأن تجد لها حلّا يعيد للبنان أسسه وكيانه ودولته الواحدة على جميع مستويات الحكم. لقد أدلى الشيخ سامي الجميل (وكذلك بعض أقرانه من الساسة المسيحيين)، برأي الكتائب اللبنانية بهذا الخصوص رافضا الأسس التي وردت في التصريح الرئاسي الأخير، دون أن نسمع تصريحا توضيحيا ورأيا محددا وواضحا من رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بخصوص النقاط الأساسية التي وردت في التصريح والمخالفة لمذكرة التفاهم ما بين التيار والقوات، مع أن الكثيرين انتظروا رأيه بهذا الخصوص لتوضيح سلسلة من الإنكفاءات عن نهجه السابق وارتداده الجزئي إلى منطق آخر بعيد عن ذلك الذي سبق له اعتماده عندما كانت 14 آذار ما زالت على قيد الحياة، بينما سمعنا من الرئيس سعد الحريري في خطاب الوفاء والتقدير لذكرى استشهاد والده فكانت مواقفه بهذا الصدد صريحة وواضحة بما فيه الكفاية، فضلا عن كونها مراعيةً للأوضاع العامة شديدة الدقة والحساسية.

لقد سبق للكثيرين أن وضعوا ثقة مكتسبة من توجهات خطاب القَسَم في النهج الجديد لرئيس البلاد وفي كونه، مثل كثير من اللبنانيين، بات يسعى إلى التخفيف والتلطيف من آثار بعض السياسات السابقة على وضعية الوجود اللبناني ومصالحه وسلامة علاقاته بالأجواء والإتجاهات العربية عموما، والخليجي منها خصوصا، في هذه الظروف التي تتراكم فيها الهجمات الإيرانية متعددة التوجهات والأوجه، على كثير من الدول العربية المتسلسلة في وجودها الجغرافي وصولا إلى لبنان، وشواطيء المتوسط… آملين أن تستمر انطلاقة هذا العهد الجديد في مسيرتها التي بدأت من خلال مضامين خطاب القسم وملحقاته، وبالتالي، نرجو أن نتمكن جميعا من عودة سريعة متماسكة وصادقة إلى موقف وطني ثابت ومترابط وذلك لحلحلة العقد الوفيرة القائمة والمنتظرة، فهذا البلد بات يستحق شيئا من الراحة وابناؤه، شيئا من الاستقرار. ويا فخامة الرئيس: فلنعد جميعا إلى المبادئ الحكمية التي أطلقتها في خطاب القسم، والعود أحمد.