شاطر في التكتكة فلاديمير بوتين، لكنه، على غرار أمثاله الذين لا يسمعون إلا أصواتهم، يخطئ في الاستراتيجيات: يغلّب العابر على الدائم، والهامش على المتن، والفرع على الأصل.
يأخذ من قصّة الحرب على الإرهاب ستاراً للانقضاض على كل ثورة السوريين. ويخلط بين سوريا، الكيان والوجود والدور، والسلطة الراهنة والساقطة فيها.. يرسم طريقاً لتأكيد مصالح دولته في قاعدة بحرية أو أخرى جوية، ولا يريد أن يرى أوتوسترادات مصالح دول جارة لسوريا مثل تركيا التي تتشارك معها في حدود تمتد على مدى 900 كيلومتر وأكثر.. ينغمس في لعبة أقلوية (وأي لعبة؟!) ولا يرى الأكثرية! يعتمد نهجاً انقلابياً ويتغاضى عن الاحتمالات الواقعية للاستنزاف المفتوح الذي يشكله الميدان السوري.. يستغل الانكفاء السلبي للأميركيين لكنه يستخدم آليات جاذبة لا تكفي فقط لإيقاظهم بل لإيقاظ حتى الدببة في سيبيريا من بياتها الشتوي! يتحدث عن «حل» لكنه لا يتورع عن الحفر لزيادة الأزمة عمقاً ورسوخاً! يرسل برقيات سياسية وإعلامية الى العرب لكنه يعمل بعكسها ميدانياً وعسكرياً! يفتتح مسجداً في موسكو لكنه يدمر عشرات المساجد في سوريا باعتبارها «أوكاراً للإرهابيين»! يطلب تنسيقاً مع الأتراك لكنه لا يتورع عن استفزازهم بخفّة غريبة! يعيّر الأميركيين بوقوفه معهم في 11 ايلول لكنه يتغاضى عن حقيقة أن سورياً واحداً لم يتورط في أي عمل «إرهابي» ضد روسيا أو مصالحها أو في أرضها! يعتمد سياسة الأرض «المحروقة» لكنه يستخدم فقط سلاح الجو والصواريخ البعيدة المدى ويتجاهل واقعة عجز السلطة وكل حلفائها عن التقدم ميدانياً في أي جبهة على مدار السنوات الأربع الماضية، بل العكس هو الذي حصل! يبشّر بغطاء جوّي لهجمات برية قريبة ويغيّب الواقعة السابقة المتأتية من أن السلطة الأسدية لم يعد لديها ما يكفي من زاد بشري(!) لحماية مناطقها وقلاعها وثكناتها أساساً! يوزع وينشر صور غرف عملياته ونوعيات طيرانه الحربي ونتاجات غاراته في سياق ضخ تعبوي ونفسي لإرهاب الأخصام والأعداء، وكأن ما حصل مع هؤلاء على طول المرحلة السابقة، كان قتالاً بالسيف والترس وعلى ظهور الخيل!
سيكتشف سريعاً، أن أجندته السورية أكبر من إمكاناته وقدراته. وأن قوة نيرانه الجوية والصاروخية لن تكون أكثر فاعلية وانتاجاً من الأسلحة التي استخدمها الأسد وحلفاؤه.. وأن رهاناته المبنية على المقايضة بين دوره في سوريا والعقوبات الغربية على بلاده ستوصله الى عكس ما يطلب: أزمته الاقتصادية المتفاقمة ستزداد تحت وطأة تكاليف حملته العسكرية الراهنة.. وبديهي الافتراض، أن الأميركيين والغربيين لن يرموا سلاح العقوبات، الوحيد الذي بين أيديهم حتى الآن، تحت الضغط والابتزاز الناري الحاصل!
في تكتيكه الغريب هذا، قصور استراتيجي لا تخطئه عين: يريد الفوز بسوريا وخسارة تركيا وكل العالم العربي والاسلامي. ويريد الحفاظ على بشار الأسد (؟!) واستفزاز كل العالم.. ربما تكفيه إيران وفنزويلا!
كأنه يلعب تلك «الروليت» الروسية بحذافيرها، ولا يكتفي بإطلاق النار على قدميه.. بيديه!