ليس من المعروف على وجه الدقّة ما اذا كان السيد ريك تيلرسون تجنّب الوصول الى لبنان في يوم عيد الحبّ فالنتاين، وفضّل توقيت زيارته على وقع الأغنية الشعبية الرائجة في الخليج هلا بالخميس! ولكن بصرف النظر عن هذا الهزل الذي لا يعبّر عن واقع المنطقة ومنها لبنان، فان مهمة وزير الخارجية الأميركي الضيف تبدو بالغة الأهمية في نظر رئيسه في البيت الأبيض كيم جونغ ترامب وابنه المدلل في أورشليم دونالد نتنياهو! ومهمة تيلرسون في جوهرها لا تختلف عما ذكرناه في مقال أمس وهي العمل على تقييد كل عدو لاسرائيل بالحبال والجنازير أولا حتى تتوافر الشجاعة لدى اسرائيل لضربه وتمزيقه ومحاولة القضاء عليه! ولعل من أعلى درجات السخرية أن يطلب تيلرسون من الحكم والحكومة في لبنان تنفيذ ما عجزت عنه أميركا واسرائيل وكل حلفائهما في العالم، وهو: تحجيم المقاومة، ومنع تطوير ترسانتها الردعية…!
نقطة القوة في الموقف الأميركي – بين عدد لا يحصى من النقاط – كانت دائما تهديد الأنظمة العربية بقوة اسرائيل العدوانية وجيشها الذي لا يقهر! ولكن الوقائع على الأرض غيّرت الموازين، وأصبحت قوة اسرائيل في ضعفها! وحدث ذلك مع وصول ترامب الى الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، وبعقلية سمسار العقارات منحته اسرائيل مقاولة خوض الحروب بالنيابة عنها بالقوات الأميركية والدم الأميركي! وكانت أميركا تعطي اسرائيل الضوء الأخضر لشنّ الحروب ضدّ الأنظمة العربية ما دامت تضمن تدمير جانب من الأرض العربية، وتضمن في الوقت نفسه خروج اسرائيل منها دون الاصابة بأذى كبير. وأميركا تروّج اليوم حرصها على الأمن والاستقرار، لأنها لم تعد تضمن سلامة اسرائيل ووجودها في أية حرب جديدة!…
راهنت اسرائيل على أن تتولّى أميركا ترويض الأنظمة العربية، ونجحت مع غالبية منها… ولكن مشكلة اسرائيل وأميركا لم تعد مع الأنظمة، ولكنها مع الشعوب العربية والاسلامية بمن فيهم من مسيحيين تحرّروا من التبعية لهما. والحرب الجديدة سيكون قوامها مقاومات ومقاتلون من العالمين العربي والاسلامي ليقاتلوا اسرائيل ومن يدعمها على امتداد جبهة تمتد من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وصولا الى شاطئ الخليج! وكلما كانت هذه الحرب أقرب بعد انجاز الاستعداد لها، كان ذلك أفضل! وفي أية حرب مقبلة، لن يكون لدى سوريا ما تخسره ما دامت ستقع قبل اعادة الاعمار، لأن أجزاء واسعة من سوريا مدمّرة الآن. أما اسرائيل فسيكون لديها الكثير الكثير لما تخسره. وأية حرب جديدة ستلحق باسرائيل دمارا أسوأ بكثير من الدمار الذي أصاب سوريا، وربما يهدّد امكانية استمرارها بالوجود!