فرك المستر X كفّيه جذلاً، ومرر أنامله على أطراف تسريحة شعره المنمق ليتأكد من تناسقها، وتمشى الهوينا في ساحة مكتبه الفسيح المزدحم بكل أنواع الأجهزة المتطورة والمعقدة. نفخ صدره بزهو، وألقى نظرة جانبية على صورته في المرآة… نظرة تفيض بنرجسية متدفقة، وأطلق زفرة ارتياح قوية وطويلة بصوت مسموع، وتحمل في ثناياها كل معاني الرضا عن الذات، وقال مخاطباً صورته في المرآة بنشوة بالغة: أحسنت يا عبقري! أحسنت! أحسنت!
المستر X هو شخصية افتراضية، قد يكون زعيماً لبنانياً، أو مجموعة من الشخصيات النافذة تخطط وتنفذ من وراء الستار، أو خلطة أجهزة استخبارية أجنبية – صديقة ومعادية – تعمل في التخطيط التكتيكي على مستوى لبنان والمنطقة، لتنفيذ استراتيجية معادية، أو غير ذلك من الاحتمالات. وافتراض وجود شخصية المستر X ضروري منطقياً لتفسير مشاهد هذا السيناريو اللامعقول الذي ينفذ على مدار الساحة اللبنانية، ولا يقبل العقل أن يكون مجرد سلسلة من الصدف أو مفارقات القضاء والقدر!..
ما الذي يشغل بال اللبنانيين اليوم، ويوتر أعصابهم نهاراً ويؤرق أجفانهم ليلاً، ويدفع بهم الى حافة اليأس والجنون؟ النفايات كانت هي الأعظم من حيث ضخامة الطوفان الذي أغرقهم وكاد أن يخمد أنفاسهم، وشغل نهارهم وليلهم لنحو تسعة شهور! وما ان رست الحكومة على حل، أي حل – أي حاجة يعني! – كان يفترض أن يتيح ذلك للبنانيين فسحة للتنفس أو الأمل! ولكن ذلك لم يحدث، وكأن من المفروض على المواطنين البقاء داخل صالة سينما متخصصة بالعرض المستمر للأفلام على مدار الساعة!
ما وان هدأ ضجيج أزمة النفايات – مع استمرار انبعاث روائحها في أرجاء الوطن – حتى انفجرت دفعة واحدة وفي أوقات متقاربة سلسلة من الفضائح المدوية الأخرى، وبعضها أعظم خطراً من أزمة النفايات، مثل أزمة الانترنت غير الشرعي واحتمال أن يكون أمن الوطن قد تم اختراقه عن طريق التجسس الالكتروني على أعلى المستويات! أو الأزمة الأكثر دوياً أخلاقياً وانسانياً من خلال شبكة الاتجار بالبشر! أو منظومة متنوعة أخرى من الأزمات من نوع الطرب السياسي على مقامات السلّم الموسيقي للفساد العام، مثل الاختلاسات في قوى الأمن الداخلي، أو مشروع فضيحة كاميرات العاصمة، أو توطين النازحين، أو شاحنات القمامة التي تنقل القمح، أو شاحنات القمح التي تنقل القمامة، وغير ذلك الكثير محلياً، في انتظار وصول فصول المسلسل الجديد العالمي… أوراق بنما!..
… ومع ذلك، فإن مشكلة لبنان الحقيقية ليست في كل هذه الفضائح وعربدتها، بل هي في ما يكاد أن يغيب عن أذهان الجميع: دولة بلا رأس، ومجلس نيابي دون تشريع، وحكومة فيها رئيس ووزراء ولكن دون قرار…
فتش عن المستر X!