في انتخابات ٢٠٠٥، تقدّم مرشح القوات اللبنانية في طرابلس على النائب سليمان فرنجية، فقرر تيار المردة تسليم أسلحته والانكفاء إلى داخل زغرتا بعد ١٣ سنة من العمل السياسي والخدماتي في عاصمة الشمال. تبدل الظروف السياسية، والصداقة المستجدة بين المردة وتيار المستقبل، وحفاظ الزغرتاويين على علاقتهم مع قيادات المدينة التقليدية، عوامل دفعت قيادة بنشعي إلى شحذ همتها وإعادة الاهتمام بالفيحاء
بين طرابلس وزغرتا علاقة اجتماعية واقتصادية، خربتها الحرب الأهلية. عاصمة الشمال هي المدينة التي ترعرع فيها سليمان طوني فرنجية. احتضنته بعد مجزرة اهدن واغتيال عائلته. ورغم صداقة آل فرنجية مع عائلات طرابلس التقليدية، إلا أنّ أبوابها بقيت موصدة بوجه تيار المردة كحزب سياسي. لم يكن من السهل تخطّي ذكريات الاقتتال الداخلي، ولم يجهد «المردة» إلى هدم السور بينه وبين الفيحاء. فعاجلته «الضربة القاسية» التي وجهها الطرابلسيون لفرنجية في صناديق الاقتراع في انتخابات 1992.
يقول مصدر في تيار المردة: «كنا بعيدين عن طرابلس ولا نعرفها». بعدها، استُنفر فريق عمل فرنجية لتعويض الخسارة. فكان الدخول الطرابلسي الأول بمساعدة عضو بلدية طرابلس الحالي أحمد المرج. وصولاً إلى 2005، يوم كان فرنجية وزيراً للداخلية، وأحد الذين حمّلهم تيار المستقبل مسؤولية سياسية عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري. انسحب من طرابلس احتراماً لخصوصيتها. «فتح» طرابلس الثاني، حصل بعد تنظيم تيار المردة وتعيين ابن الميناء رفلي دياب، الآتي من خلفية غير حزبية مسؤولاً له في عاصمة الشمال. المرج ودياب حالتان ساهمتا في رفد «المردة»، وتكادان تلخّصان مسيرته في طرابلس منذ 1992.
كان الطرابلسيون يشعرون بالأمان لوجود زعيم يحمي ظهرهم لدى النظام السوري
يوم كان «ممنوعاً» ذكر اسم تيار المردة في منطقة التبانة، «فتحتُها أمام فرنجية»، يقول المرج. البيئة معادية تاريخياً لآل فرنجية المقربين من النظام السوري، ولكن «كنت أسمع أنه (فرنجية) يتيم وقبضاي». ليس ذلك السبب الوحيد الذي ساهم في تقارب ابن التبانة مع ابن زغرتا. «خدمة بسيطة» من جانب فرنجية، جعلت المرج «لا ينسى الجميل». المرج كان جاهزاً لاستقبال الوافد الزغرتاوي بعد الـ1992، «افتتحنا المكاتب وبدأنا بتقديم الخدمات… وحدي كنت أطلب قرابة ٦٠ معاملة من وزارة الصحة يومياً». الخدمات قرّبت أبناء طرابلس من فرنجية، والعلاقة الشخصية أيضاً. «هوي حبّوب. كنت طلّع الناس تسلّم عليه». وكان هؤلاء «يشعرون بالأمان لوجود زعيم زغرتاوي يحمي ظهرهم لدى النظام السوري». نتائج استراتيجية التواصل الجديدة ونشاط مكتب محامي «المردة» في طرابلس، بانت في الانتخابات النيابية دورتي الـ١٩٩٦ والـ٢٠٠٠ «فكانت النتائج أفضل وحضورنا أقوى»، بحسب مصدر «المردة».
عام ٢٠٠٢، اختلف المرج مع «جماعة فرنجية» (تحديداً الوزير السابق يوسف سعادة) «لأنهم لم يخدمونا على صعيد الوظائف». خسارة أحد المفاتيح الانتخابية الأساسية واغتيال الرئيس رفيق الحريري، لم يمنعا فرنجية من الحصول في دورة ٢٠٠٥ على نحو ٢٧ ألف صوت في طرابلس. بيد أنّ قيادة بنشعي لم تستسغ «أن يتقدّم مرشح القوات اللبنانية (النائب أنطوان زهرا) علينا في منطقتنا. قمنا بردّة فعل وابتعدنا على المستويات كافة. ربما كان هذا التصرف خطأ».
خفت وهج «المردة» في طرابلس «التي كانت أجواؤها متشنجة طائفياً وكان تيار المستقبل الأقوى على الساحة». إلاّ أنّ العلاقة «لم تنقطع مع الرئيس نجيب ميقاتي والوزير فيصل كرامي». في هذا الوقت، نظّم التيار الوطني الحر صفوفه في عاصمة الشمال، «فانتسب العديد من شبابنا إلى التيار». وحين قرّر «المردة» مأسسة تياره، لم يغيّب طرابلس. تسلم المسؤولية دياب الذي كوّن حالة خاصة به، نتجت عن عضويته في بلدية الميناء ووجود عائلته المحلي. رشحه في الـ٢٠٠٥ النائب عبد المجيد رافعي على لائحته، بعد أن زكاه فرنجية. حاول التيار العوني كسبه في صفوفه، فطلب في حينه استئذان فرنجية قبل قبول العرض. الأخير بارك الخطوة، خاصة أنه لم يكن يتجه إلى تنظيم «المردة» في طرابلس. ولكنّ دياب عدل عن الانتساب إلى «التيار» رغبة منه في عدم الانخراط بالعمل الحزبي. قبل أن يعرض عليه الوزير سعادة أن يكون مسؤول «المردة» في طرابلس، فوافق فوراً. معظم القوى السياسية تعتقد أنّ دياب «حالة» تضيف إلى «المردة» وليس العكس.
حالياً، يريد «المردة» العودة إلى «قلب» طرابلس، مستفيداً من مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية «فلم يعد الجو معادياً». يُذكّر مصدر «المردة» باللقاء الذي نظمه المفتي مالك الشعار لفرنجية وجمع خلاله كلّ قيادات المدينة، باستثناء الوزير أشرف ريفي، في نيسان الماضي. تترافق «العودة» مع «صداقتنا الجديدة مع تيار المستقبل». لم تتضح الصورة انتخابياً لدى «المردة»، وسيسير على خطى كلّ القوى في عدم الكشف عن أوراقه قبل الاتفاق على قانون جديد للانتخابات. علماً أنه سياسياً، لا يزال أقرب إلى خطّ ميقاتي. وفي كلّ الأحوال، «لسنا عبئاً على أي لائحة». من المتوقع أن يكون دياب هو المرشح عن المقعد الأرثوذكسي، «ولكن لا شيء محسوماً بعد». ولا يجد المصدر الزغرتاوي عدلاً في أن يُستبعد «المردة» عن أي لائحة وأن يكون هناك مرشح قواتي مثلاً، «المردة مقبولون وحضورنا أفعل». رغم أنّ عدداً من القوى الطرابلسية المحلية تعتبر أنّ التيار العوني «أكثر تنظيماً والمسيحيين يحبون شخصية ميشال عون». في هذا الإطار، يقول دياب إنه «لتعزيز الوجود يجب أن يكون هناك مكتب وميزانية». في الفترة الماضية، أحجم فرنجية عن افتتاح مكتب «حتى لا يكون سبباً لأي إشكال في المدينة». إلا أنّ دياب لا يجد أن ذلك مؤثر على وجود «المردة». هو مرتاح لقدرات تياره الشعبية، «في البلدية جيّرنا ما بين 600 و700 صوت للائحة. وحين ترشحت منفرداً في ٢٠٠٩ حصلت على ٢٥.١٪ من الأصوات. ما يعني أننا مقبولون».
صحيح أن التحالفات الانتخابية لم تتوضح بعد بالنسبة إلى «المردة». على العكس من المرج، الذي يؤكد: «سأدعم فرنجية أقوى من السابق». رغم أنه طلب موعداً من نائب زغرتا منذ أكثر من ثلاثة أشهر «ولم أتلق جواباً بعد. ممكن أن يكون لا يزال عتبان عليّي». ألن يؤثر ذلك في علاقتك بريفي خاصة أنك ترشحت على اللائحة التي دعمها في الانتخابات البلدية الأخيرة؟ «صحيح أنّ الوزير ريفي صديقي وحصل تنسيق انتخابي محدود بيننا، ولكن أنا ضدّ خلافه مع فرنجية». مقارنة مع التيار العوني والقوات، «فرنجية هو الأقوى». أصلاً، «في ٢٠٠٥ نال أرقاماً عالية رغم أنّ الدم كان حامياً وأنا كنت ضدّه». المرج الذي سمّى ابنه البكر بشير تيمناً باسم بشير الجميل «لأنه كان ضدّ السوري والفلسطيني في لبنان»، وابنه الثاني سليمان «بسبب صداقتي مع فرنجية»، سيترشح إلى الانتخابات النيابية «لمحاسبة الذين وضعوا فيتو على ترشّحي إلى البلدية» (آل الحريري). وفي المقابل، «بدّي كون مع فرنجية، حليف مين ما كان».