عندما حصلت الاجتماعات المسيحية بين ممثلي المردة والقوات قبل نحو عام بعد مقاطعة أكثر من ربع قرن على خلفية أحداث كبيرة كانت بكركي الراعية الاساسية لهذا الحوار ولعبت الدور الأساسي والطليعي لاتمام المصالحة بين الخصمين المسيحيين وتقريب المسافات بين بنشعي ومعراب على حد قول مصادر مسيحية، حيث تابع سيد الصرح جلسات اليد المفتوحة المردية والقواتية والجارية في اطار البحث عن مساحة آمنة للمسيحيين على خريطة الخربطة الإقليمية الجارية واشكاليات الأحداث المحيطة بلبنان. هذه الصورة لا تختصر المشهد ذاته الجاري بين القوات والتيار الوطني الحر اليوم بحسب المصادر، حيث تبدو بكركي مغيبة بالكامل عن حوار الزعيمين المارونيين وهي التي دعت وحاولت ان تجمع الزعماء الموارنة في اكثر من محطة قبل وقوع الفراغ الرئاسي بدون ان تتمكن من تحقيق اي خطوات في هذا السياق. فالواضح وما لا لبس فيه كما تقول ان ترتيب الحوار واللقاءات الثنائية بين فريقي القوات والتيار الوطني الحر والتي صارت في حدود الإثني عشر لقاء لم تضطلع بكركي باي دور يذكر فيهما بل ان اللقاءات جرت بعيداً عن بكركي وبدون رعايتها او الحصول على مباركتها. وهي التي سعت الى لقاء ومصالحة المسيحيين وابعاد شبح الفراغ عن الرئاسة الاولى، ومرد تحييد او تهميش بكركي يعود الى علاقة الثقة المفقودة بين الطرفين او بين الزعيمين والصرح، بعد ان بات واضحاً ان سيد الصرح يحملهما وحدهما مسؤولية تراجع الوضع المسيحي وما اصاب كرسي الرئاسة، اضافة الى المسؤولية الكاملة عن تراجع التمثيل المسيحي في الدولة و.ما حصل للمسيحيين في الادارات العامة.
فالبطريرك الماروني لم «يقصر» في ما ينقل عنه في السر وفي العلن من تعبير عن نقمته على الزعماء الموارنة الذين أوصلوا الاستحقاق الرئاسي الى الفراغ، فالراعي يشعر بالمرارة والأسف وهو الذي أطلق صرخته التحذيرية للأقطاب وكان السباق في فتح البازار الرئاسي على مصراعيه ليتفق الموارنة قبل ان يحين موعد الاستحقاق، وسيد بكركي يأسف وهو يرى «موارنة رعيته» الأقوياء يحاولون الاستفاقة متأخرين على مصير الرئاسة وبعد انطلاقة الحوار بين الخصمين الاساسيين حزب الله والمستقبل. وقد ثبت ان القيادات المسيحية من معسكري 8 و14 آذار بدأت تشعر وتدرك ان الفراغ الرئاسي واقع عليها وحدها على حدّ قول المصادر المسيحية، وان شركائها غير المسيحيين هم الأقل تضرراً وخسارة، فلا المستقبل يبدو متاثراً وتحت وطأة الفراغ مثل المسيحيين ولا شركاء الرابية في 8 آذار يشعرون بالضغوط نفسها لزعيم الرابية.. فحتى الساعة لم تفقه بعض القيادات المارونية ان ثمة فيتوات تقف حائلاً ولم تسقط على مشروع ترشيحها وان ثمة من يعمل ولا يزال في الظلام والكواليس لقطع الطريق على الأقوياء قبل بلوغ قصر بعبدا، وعلى قاعدة ان ما رسم قد رسم وان الاستحقاق ينتظر السيناريو الذي اعده صناع القرار والفاعلون في الاستحقاق الرئاسي.
وإذا كان الواضح ان التباين في وجهات النظر بين الصرح وكل من عون وجعجع مرده الى قناعة بكركي بان الرئاسة لا تصلح للشخصيتين او لأن «الزمان او المكان ليس مكانهما» بعد ان اكد البطريرك البعد غير المحلي للاستحقاق، فبنظر سيد الصرح، ان التجاذبات بين الزعيمين المسيحيين افقدت المسيحيين اوراق الضغط والقوة في الاستحقاق، واذا كان الخلاف مع عون حول نظرية الرئيس الأقوى حيث كان يمكن لرئيس الاصلاح والتغيير تسمية احد المرشحين الآخرين كحل وسطي فان الخلاف مع معراب اعمق واكبر بعد ان وضعت العراقيل في وجه وصول عون الى بعبدا وتسيير امور الرئاسة.
وبالحصيلة فان بكركي تدرك ربما ان لقاء القطبين المسيحيين قد لا يحمل الكثير للرئاسة وقد لا يأتي بالمرشح التوافقي المنتظر او بتسليم معراب دفة الرئاسة لزعيم الرابية والعكس صحيح ايضاً، فاللقاء يحمل طابع لقاء الضرورة لعدة اسباب ومعطيات وهدفه تفادي الإحراج المسيحي ولدى الرأي العام فيما يذهب الخصمين الكبيرين في تيار المستقبل وحزب الله رغم كل الملفات العالقة والخلافات الى حوار حقيقي لن تكون الكرسي الأولى بعيدة عن احداثه، إلا ان الحوار على ما يبدو إذا لم ينتج رئيساً فانه لن يحظ بمباركة الصرح ولن يساهم في امتصاص وسحب نقمة وغضب بكركي على الزعامتين.
وفي حين يتوقع كثيرون ان لا يقدم اللقاء اي تطورات او اختراق ايجابي في الملف الرئاسي بقدر ما سيكون عليه من محاولة رفع الصوت ولفت نظر الحلفاء في المستقبل وحزب الله الى ان مصير الكرسي المسيحي يقرره القادة المسيحيون الأقوياء.