انعكس حوار الرابية ومعراب هدوءاً وتخفيفاً للاحتقان بين طلاب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. شعار المرحلة في الجامعات اليوم: أحبوا بعضكم… ولكن إلى متى؟
شكّلت الجامعات، منذ عام 1990، الـ «بارومتر» لقياس التوتر بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. يحتدّ النقاش السياسي فينعكس تطايراً للكمات وأحياناً إسالة للدماء في حرم الكليات. لكن منذ بدء الحوار الأخير بين الرابية ومعراب، سجّل هذا الـ»بارومتر» تراجعاً حاداً في «الاحتقان التاريخي»، في انتظار «الخواتيم السعيدة» (التي قد لا تتحقق) لتترجم اتفاقاً جدّياً في النوادي الطلابية الحزبية.
يؤكد مسؤول الجامعات في قطاع الشباب في التيار الوطني الحر جورج بويري، أن «التوتر بين الفريقين تضاءل بنسبة عالية، والدليل عدم حصول احتكاكات هذا العام بين الشباب على غرار الأعوام الماضية، باستثناء إشكال صغير في كلية الحقوق جرت محاصرته». ويعقب قائلاً إن «الحساسيات خفت تلقائياً من دون إيعاز قياديي الطرفين، بل بسعي فردي من الجهتين لتفادي استفزاز بعضهما البعض». ولكن، من جهة أخرى، «لم يحصل حتى الساعة أي تنسيق مشترك حول قضية معينة تخص الجامعة والطلاب، ولا اجتمعنا سوياً أيضاً. أتى الوحي من تلقاء نفسه».
يقابل الجو الودي العوني «انفتاح قواتي على التفاهم حول الأمور الرئيسية، والأهم من ذلك ارتياح في التواصل وقبول للآخر»، على ما يقول نائب رئيس مصلحة القوات في الجامعة اللبنانية شربل غصوب. فالحوار بين حزب القوات والتيار «إيجابي، وانحسار المشكلات يعود إلى وعي الشباب الكبير، مع الإشارة إلى انخفاض الاحتقان السياسي منذ مدة وليس خلال الأسابيع القليلة الماضية». ولكن الفارق اليوم، أن «تعيير الرفيق رفيقه بإقامة صداقات مع «الخصم» تلاشى كلياً، ما أرسى جواً من الأُلفة بين الجميع». ومن جهة أخرى، يشير غصوب إلى «غياب النقاش الانتخابي الجدي في الجامعات اللبنانية بين الخصوم والحلفاء وبين الفريق الواحد، إذ أسهم قرار إلغاء الانتخابات في كليات الفرع الثاني بتعطيل الحياة الديمقراطية ومنع الطالب من إيصال صوته».
وفعلياً، تمدّد الهيئات الطالبية في الجامعة اللبنانية لنفسها منذ عام 2008، على خلفية قرار إداري يمنع إجراء الانتخابات السنوية، رغم توافق القوى السياسية كافة على قانون انتخابي واحد. وربما شكلّ هذا الأمر، بمعزل عن سلبيته، عاملاً إضافياً في تخفيف حدة الاحتقان داخل الكليات، وخصوصاً في الجامعة اللبنانية.
وفيما لا تزال الجامعات اللبنانية تنتظر ما ستؤول إليه اجتماعات الرابية ــــ معراب وإمكانية انعكاس التوافق عليها، قطفت جامعة سيدة اللويزة ثمار بداية التقارب باكراً. فبعد أن أدى التحقيق الذي أجرته الإدارة حول خلاف بين الفريقين مطلع العام الجاري إلى فصل طالبين قواتيين، عاد الأخيران لمتابعة دروسهما بفضل الحوار. ويقول مارك صهيوني، مندوب التيار الوطني الحر في الكلية، إنه «في ضوء الحوار بين الرابية ومعراب، قررنا القيام بمبادرة شخصية للمشاركة في ترطيب الأجواء. فبعثنا برسالة إلى الإدارة طلبنا فيها إعادة الطالبين القواتيين تحت عنوان عفا الله عما مضى». ويؤكد صهيوني أن «التقارب المفترض لن يحول دون استمرارنا في التنافس أكاديمياً لإيصال مشروع فريقنا والمطالبة بحقوق طلابنا، مع فارق بسيط سيظهر من خلال زوال الاحتقان والمحافظة على الديمقراطية البناءة».
مسؤول القوات السابق في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت طارق حكيم، ينفي «حصول مشكلات سياسية أصلاً، فلكل فريق مبادئه ويتقيّد بها. وفي المطلق، نحن والعونيون أصدقاء منذ البداية ومتفقون على الأمور الرئيسية. أما الحديث عن ندوات مشتركة، فلا يزال مبكراً جداً، ولو أننا منفتحون على ذلك». فيما يشير رئيس خلية القوات في الجامعة الأميركية في بيروت الياس بعقليني إلى أن «الحركة الطالبية تخف في الموسم الدراسي الثاني، أي ما بعد الانتخابات، ويتخللها تسلم الفريق الفائز الهيئة. وحتى قبيل موسم الانتخابات، لا يظهر توتر فعلي بيننا وبينهم». فالاعتصامات التي حصلت العام الماضي لخفض الأقساط الجامعية والتي شاركت فيها كل الأحزاب، «أسهمت في تقريب بعضنا من بعض، رغم غياب النفوذ العوني في هذه الكلية». ويؤكد من جهة أخرى أنه «لم تحصل أي مبادرة بين الفريقين حتى الساعة، في انتظار أن تتبلور الصورة النهائية للاتفاق». وهو ما يدحضه مندوب التيار الوطني الحر في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت وديع عون، إذ يشير إلى «أننا (أي التيار) كنا نبادر نحو القوات دائماً في الأمور التي تخص الجامعة من دون أن يقابلونا برد إيجابي نظراً إلى غياب الثقة». أما اليوم «فمن ناحية الصداقة، الأوضاع على أحسن حال، ولكن في السياسة لم يتغير شيء فكل فريق ينتظر قرار مكتبه ليبني على الشيء مقتضاه». والأمر سيان بالنسبة إلى الجامعة الأميركية في جبيل التي يفترض أن يحتدم فيها التنافس أكثر من بيروت، ولكن وبحسب مندوبة التيار الوطني الحر هناك جيهان أبي خليل «لا نشاط حزبياً فعلياً في الكلية حالياً (أي في الموسم الذي يلي الانتخابات)، وحتى في عزّ التنافس لم نشهد ضربة كفّ جدّية هذا العام أو العام الماضي. ومن ناحية أخرى، لم ينعكس التفاهم عملاً مشتركاً بعد. الكل يترقب إقرار ورقة إعلان النيات وما إذا كانت ستنعكس على مختلف القطاعات أو لا».
الكتائب: القوات والتيار يسيران على خطانا
رغم الأجواء التي يشيعها البعض عن انزعاج كتائبي من التقارب العوني ــــ القواتي، تبدو القاعدة الطالبية في الحزب مرتاحة لهذا الحوار. كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية واحدة من الكليات التي يشتعل فيها الخلاف السياسي دائمأ. يؤكد رئيس خلية الكتائب في الحقوق رالف مراد، أن «خلافات شباب التيار والقوات باتت أخيراً أكثر ديمقراطية». وبحسب مراد، لا انعكاس سلبياً لما يجري على الكتائب، إذ «نحن الذين بدأنا الحوار مع الطرف الآخر قبل الجميع، وهلق هني عم يلحقونا»، وكذلك «أثبتنا من خلال عملنا في هيئة الجامعة أننا نساوي بين الجميع، وعليه تمكنا من تخفيف احتقان المردة والتيار تجاهنا». أما «التيار والقوات فجلسا إلى طاولة واحدة منذ فترة قصيرة، وهو أمر إيجابي بنظرنا، فمن خلال الحوار باتوا مجبرين على كسر التطرف ليصبحوا مثلنا». بدورها، تشير أمينة سر دائرة المدارس في الكتائب ورئيسة مكتب الشباب والطلاب بقسم الدكوانة ميشا صيفي أن «الكتائب يستوعبون الجميع»، مشيرة إلى أن «أجواء التقارب لم تترجم جدّياً على الأرض بعد». ومن كلية الحقوق والدكوانة إلى إقليم الشفت في عكار، «لم نلاحظ أي تقارب أو حوار أو اجتماعات ثنائية بين التيار والقوات حتى الساعة»، يقول أمين سرّ الإقليم. ويضيف: «حتى لو افترضنا أن ذلك سيحصل قريباً، فلن يؤثر على الكتائب. نرحب بالحوار الهادف إلى تهدئة التوترات السياسية».