في وقت تستمر حملة “مقاطعة لعيونك” عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المناطق، تعبيراً عن التزام قرار رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري عدم المشاركة في الانتخابات، على رغم أن الحريري لم يصدر عنه بعد موقف واضح لجهة الدعوة الى مقاطعة الانتخابات، قرأ البعض في خطبة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في عيد الفطر، التي نبه فيها من “خطورة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات”، “تصويباً على الحريري وتحذيرا مسبقاً من أي دعوة للحريري الى مقاطعة الانتخابات”.
كذلك اعتبر البعض، أنّ «تغريدة» المنسّق العام للإعلام في تيار «المستقبل» عبد السلام موسى بُعيد خطبة دريان، أتت رداً على مفتي الجمهورية، إذ انّ موسى قال: «ترى قيادات وشخصيات عدة أنّ عدم المشاركة في الانتخابات تؤدي الى تسليم «حزب الله» زمام الامور في البلد. ونحن نرى مع قطاع واسع من المواطنين في كلّ المناطق، أنّ المشاركة ستؤدي الى تأمين غطاء شرعي لـ»حزب الله».. ونحن في التيار لسنا شركاء في هذه الجريمة». ولاحقاً ردّ موسى على إحدى الصفحات التي انتقدت «ردّ عبد على دريان»، وأكّد أنّ «مفتي الجمهورية فوق كلّ اعتبار».
دعوة دريان الى عدم مقاطعة الانتخابات وضرورة المشاركة فيها ليست بجديدة، ففي حين قال في خطبة العيد: «إنّ الفرصة متوافرة أمامنا، لتحقيق التغيير عبر الانتخابات النيابية المقبلة»، محذّراً من «خطورة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات وانتخاب الفاسدين السيئين، لأنّ الامتناع عن المشاركة في الانتخابات هو الوصفة السحرية لوصول الفاسدين السيئين الى السلطة»، كان لدريان موقف عالي السقف ومباشر في رسالة شهر رمضان المبارك، في 1 نيسان المنصرم، بوجه «السلطة الفاسدة الذين دفعت لبنان الى الهاوية»، داعياً الى «واجب التخلّص من هذه الزمرة الفاسدة، عبر المشاركة الكثيفة في الاستحقاق النيابي، لأنّ أي بديل مهما كان، أفضل من هذه السلطة».
لكن على رغم كلّ ما أثير عن توتُّر في العلاقة بين دريان والحريري وتعارض في المواقف، لم يسبق أن حصل بين دار الفتوى وتيار «المستقبل»، يؤكّد المسؤول الإعلامي في دار الفتوى خلدون قواص لـ»الجمهورية»، أن «لا مشكلة أو إشكالية بين دار الفتوى والرئيس الحريري، وكلّ ما يُحكى غير صحيح. ولا مواقف متعارضة بين الجهتين. فالرئيس الحريري علّق مشاركته في العمل السياسي والانتخابات، ولم يعلن مقاطعة الانتخابات ولم يصدر عنه موقف واضح وصريح حول هذا الموضوع. لذلك لا تعارض في المواقف بين المفتي والرئيس الحريري. ولو دعا الرئيس الحريري الى مقاطعة الانتخابات ثمّ صدر موقف المفتي، عندها يُمكن القول إنّ هناك تعارضاً».
ويرى قواص، أنّ «التضخُّم الحاصل في هذا الموضوع هو عملية لخلق شرخ وخلاف، فيما أنّ هذا غير صحيح والعلاقة متينة جداً بين مفتي الجمهورية والرئيس الحريري». كذلك هناك تواصل بين الرجلين، بحسب قواص، والاتصال الأخير بينهما حصل بعد خطبة المفتي في عيد الفطر. وبالتالي «كلّ ما يُقال عارٍ عن الصحة، والتواصل دائم بين المفتي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين».
كذلك يرى البعض أنّ دريان يدعم السنيورة، الامر الذي يثير امتعاض الحريري، وأنّ دريان سبق أن لمّح في رسالة رمضان الى الشخصيات التي يجب أن تُنتخب، عبر تحديد مواقف تتلاقى مع جهات سياسية وتتعارض مع أخرى. إذ أكّد أنّ «لبنان يكون مع إخوانه العرب أو لا يكون». وأشار الى «الهدم الفظيع لعلاقات لبنان العربية والدولية، وقبل ذلك وبعده، محاولات بائسة للتعرّض لهوية لبنان وانتمائه». كذلك لفت الى «الإسقاط الفظيع لحرمات المؤسسة العسكرية وصلاحياتها والأجهزة المسلّحة لمصلحة ميليشيا، بل ميليشيات خاصة، تأتمر بأوامر الخارج، والى الانتهاك المستمرّ بالفساد والاستئثار لموارد الدولة وسلطاتها في المطار والمرفأ والمعابر الحدودية».
إلّا أنّ دار الفتوى تؤكّد أنّ «المفتي على مسافة واحدة من جميع المرشحين ولا يفضل مرشحاً ضدّ آخر أو لائحة على أخرى. وهذا غير مرتبط بالدعوة الى المشاركة في الانتخابات وكأنّه يصوّب على مرشح أو لائحة معينة. بل انّ المفتي دعا الى المشاركة في الانتخابات فقط، وعلى الناس أن يختاروا من يريدونه». كذلك، انّ المفتي «لا يلمّح بل يتحدث مباشرةً ولا يدخل في الزواريب، وموقفه وتصريحاته واضحة ومباشرة، لا يوجد فيها أي مواربة أو غموض بل واضحة وضوح الشمس».
وفي حين ينتظر البعض موقفاً انتخابياً تصاعدياً من دريان، وأن يدعو مباشرةً الى عدم إفراغ الساحة لـ»حزب الله»، تبقى الدعوة الى المشاركة في الانتخابات الموقف الوحيد لمفتي الجمهورية، بحسب قواص. فالمفتي «أطلق الموقف الذي يجب أن يُطلق، ولا موقف تصاعدياً أكثر من الدعوة الى المشاركة في الانتخابات».
وبالنسبة الى الدعوة الى الاقتراع ضد «حزب الله»، يجزم قواص أنّ «المفتي لا يدخل في القضايا السياسية بل يتحدث دائماً عن قضايا وطنية عامة وشاملة. والدعوة الى المشاركة في الانتخابات ليست ضد فلان أو مع علتان، فلا علاقة لدار الفتوى بذلك، والناس هُم من ينتخبون من يرونه الأصلح والأكفأ. فدار الفتوى ليست حزباً بل موجودة على صعيد الوطن. والمفتي يدعو الى المشاركة في الانتخابات، ولم يقُل في أي من تصريحاته مع مَن أو ضدّ مَن».
وعلى الرغم من أنّ الحريري يعتبر أن لا جدوى من هذه الانتخابات، ويشاركه البعض هذه النظرة، انطلاقاً من أنّ هذه الانتخابات لن تفرز تغييراً على مستوى وجود «حزب الله» ودوره، ويعتمد البعض المقاطعة لأنّ «الانتخابات لن تقدّم أو تغيّر»، يبقى موقف مفتي الجمهورية النهائي هو ضرورة المشاركة في الانتخابات النيابية، لأنّ «هذه فرصة للبنانيين لكي يتمكنوا من القيام بشيء، وهم من يقرّرون «شو بتقدّم وشو بتأخّر»، وأحد لا يقرّر عن الناس». وهذا الموقف «ليس ضدّ الحريري، لكن هذه فرصة للناس للتغيير، فهم يقولون إنّ هناك فاسدين وسيئين، وبالتالي لينتخبوا من يعتبرون أنّه الأكفأ».