Site icon IMLebanon

صوتان صارخان

 

ليس لدى البطريرك الراعي والمفتي دريان جيوش ودبابات ولا ميليشيات تقطع الطرقات وترهب الناس، ولا قوى شرعية تفرض القانون وتعيد الحقوق وتجلب المرتكبين الى القضاء، لكن لديهما الواجب الديني والجرأة الأدبية والأخلاقية والالتزام الوطني، التي حوَّلت خطبهما ورسائلهما الأخيرة الى مثال وضوء يهتدي به مَن يريد إنقاذ لبنان.

 

ولو حاولنا اختصار رسالة المفتي أمس في مناسبة “رأس السنة الهجرية” لاستعصى علينا الحال، لأن سماحته نطق بكل ما يجول في بال المواطن اللبناني الطبيعي، ورَسمَ خريطة طريق للحل السياسي المرحلي وللعيش بسلام وكرامة في ظل دولة تحترم نفسها وحقوق الإنسان.

 

سماحته مثل غبطة البطريرك يتصديان لمهمة الدعوة الى الإنقاذ من منطلق وطني عام ورفيع، وما لجوؤهما الى النبرة العالية والكلام المباح إلا لأنه “بلغ السيل الزبى” مع انفجار العاصمة على رؤوس أهلها، وإصرار ما سماه سماحته “السلطة الفاسدة الى حدود الاجرام” على متابعة سياسة الإنكار ورفض تحمل المسؤولية، وعلى”الغيّ” الذي لم يودِ أحداً من المرتكبين السفهاء بعدُ “الى النار”.

 

لا تضاهي رفعة وأهمية مذكرة البطريرك الماروني المتعلقة بالحياد ومستقبل لبنان إلا رسالة المفتي المُحكمة. لقد خرجتا من رحم معاناة اللبنانيين من الفساد والهدر والجريمة المنظمة، ومن أشلاء ضحايا انفجاري 14 شباط 2005 و4 آب 2020 ومن كل جلجلة لبنان منذ تأسيسه قبل 100 عام.

 

“الهجرة انتهت وآن وقت النية والجهاد”. والمفتي يجدد ذاك التاريخ عبر مشاركة كل لبنان في ارادة القيامة والانتصار على الظَلَمة، وإذ يلامس مطلب “الحياد” البطريركي بمحبة وفهم عميقين، فإنه يلاقي جوهره آسفاً لإجهاض ترجمته السياسية متمثلة بـ”النأي بالنفس”، ويختصر المشهد بالهدف الأسمى: دولة موحّدة قادرة لا يشارك سيادتَها أيُ سلاح.

 

أما لماذا يرتدي كلام رجُلَي الدين هذه الأبعاد المهمة، فلأن الأزمة التي نعانيها ليست مجرد لعبة سياسية أطرافها كلّهم ديموقراطيون، بل هي وطنية بامتياز وذات طابع “وجودي” للكيان والشعب على السواء، ولأن القوى السيادية السياسية تحتاج الى مؤازرة كل ذي شأن لتعزيز مطلب التحقيق الدولي في انفجار المرفأ والحكومة المستقلة والانتخابات المبكرة، وإنفاذ قرار المحكمة الدولية بحق سليم عياش… وصولاً الى الخلاص عبر “الحياد” أو ما يوازيه من مضمون يصون السيادة والاستقلال.

 

“رسالة المفتي” في ذكرى الهجرة مثل “مذكرة الحياد” البطريركية: دعوةٌ لانتصار الحق والتشبث بالأرض وتحقيق الأمن والأمان.