حماية لبنانية بمؤازرة عربية ودولية تحظر المساس بوثيقة الوفاق الوطني
لم تهدأ بعد، الضجة التي أثارها كلام المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، بإعلانه أن الصيغة السياسية التي يقوم عليها النظام اللبناني قد انتهت، ومطالبته بصيغة جديدة تقوم على حساب اتفاق الطائف الذي بات دستوراً للبنان، مع ما لهذه الدعوة من مخاطر جدية على السلم الأهلي في البلد، في وقت ينبغي تضافر الجهود من أجل تحصين الساحة الداخلية وحماية ركائز الوفاق الوطني، في ظل الظروف السياسية الدقيقة التي يمر بها البلد. ورغم عاصفة الردود الرافضة لما قاله المفتي قبلان، إلا أن المثير للاستغراب والريبة في آن، عدم صدور أي موقف واضح عن القيادات الشيعية، يصحح بالحد الأدنى ما صدر عن المفتي قبلان، بالنظر إلى خطورة هذا الكلام الذي رأى فيه البعض دعوة صريحة، لإعادة فتح الجروح ووضع البلد على مفترق طرق بالغ الخطورة. وهذا ترك علامات استفهام كبيرة عما إذا كان شخص بوزن الرجل، مجرد طرح، أم أنه موحى به من قبل القيادة السياسية الشيعية، وبرسم الأطراف الأخرى في البلد، بعدما سبق لـ«حزب الله» أن طرح موضوع المثالثة، وإن عاد وتراجع عنه، لكن هذا لا يعني أنه غض النظر عنه، بانتظار الظروف المؤاتية.
وتعرب أوساط سياسية عن اعتقادها أن كلام المفتي قبلان، لم يأت من فراغ، وتالياً فهو يعكس في جانب كبير منه، أجواء البيئة السياسية لـ«الثنائي الشيعي»، بدليل أن أحداً في هذا الفريق لم يكلف نفسه عناء التنصل من هذا الكلام غير المسبوق، والذي يمثل انعطافة شديدة الخطورة في موقف القيادة الشيعية من اتفاق الطائف الذي يرتكز عليه النظام اللبناني. وهذا يعني أن هناك من يدعو للانقلاب على هذا النظام، وإدخال لبنان في النفق مجدداً، بذريعة العمل من أجل إقرار نظام سياسي جديد، لا يمكن أن يتحقق إلا في أجواء توافقية داخلية، من شأنها تأمين المظلة المطلوبة لأي تغيير محتمل في تركيبة النظام السياسي للبنان. وقد ظهر بوضوح من حجم الردود على موقف المفتي «الممتاز»، أن اتفاق الطائف ما زال يحظى بحماية سياسية وروحية واسعة، تعكس رفضاً حاسماً لأي مساس به، في ظل الوضع الراهن الدقيق الذي يمر به لبنان الذي دفع الثمن غالياً، حتى كانت وثيقة الوفاق الوطني التي أنهت الحرب الأهلية في لبنان. وهذا الرفض بحد ذاته يشكل رداً على كل المحاولات التي تهدف إلى إحداث تغيير في الصيغة الحالية، سواء بالدعوة إلى الفدرالية أو السعي إلى تغيير اتفاق الطائف. وهو رسالة إلى كل من يقف وراء هذه المحاولات المشبوهة، لإحداث مزيد من الشروخ بين اللبنانيين وتأليبهم على بعض، من خلال هذه الطروحات التقسيمية.
وتؤكد أوساط سياسية لـ«اللواء»، أن هذا الطرح الذي باغت به المفتي قبلان اللبنانيين، في مكانه وزمانه على الإطلاق، لما يحمله من مخاطر على لبنان في هذا الوقت العصيب الذي يتطلب مزيداً من الوحدة الداخلية، بالتمسك أكثر من أي وقت مضى بوثيقة الوفاق الوطني التي أرسى أسسها اتفاق الطائف، مستغربة أن تأتي دعوة من جانب شخصية بحجم الشيخ قبلان إلى الإطاحة بالنظام القائم، فيما يغرق البلد بأزمة سياسية ومالية لم يشهد مثيلاً لها، متسائلة هل أنه في ظل هذا الواقع المأساوي الذي يعانيه لبنان، بالإمكان الدخول في هذه المغامرة التي لا يمكن التكهن بنتائجها؟ ومن هي الجهات التي يمكن أن تأخذ على عاتقها، تحمل مسؤولية تبني هذه الفكرة الانتحارية إذا جاز التعبير؟
وتشدد على أنه مقابل هذه الدعوات التي تعزز الانقسام بين اللبنانيين، لماذا لا يصار إلى اتخاذ كل ما من شأنه تفعيل عمل المؤسسات وترسيخ دعائم الوحدة الداخلية، وتغليب مصلحة الدولة على الدويلة؟ على ما قاله رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي أكد أن الأولوية اليوم ليست للملفات التي هي الآن موضع انقسام سياسي، وإنما لمعالجة الوضع المالي، والأجدر أن يصار إلى معالجة السلاح غير الشرعي الذي يصادر قرار الدولة، وهو أمر لا يمكن تجاهله برأي الأوساط السياسية، بالنظر إلى تداعيات تفكك الدولة لمصلحة الدويلة، قبل التفكير بالدعوة إلى تغيير النظام السياسي، وأخذ البلد إلى مكان لا يريده اللبنانيون.
وتشدد في هذا الإطار مصادر دبلوماسية عربية، على أن اتفاق الطائف لا زال يحظى بكل الدعم العربي والدولي. إذا أنه ليس بهذه السهولة إعلان وفاته، والدعوة إلى نظام جديد لا تتوافر فيه مقومات النجاح، عدا عن أن أي دعوة من هذا القبيل يجب أن تكون نتيجة إجماع لبناني، يوفر لها الأرضية المطلوبة للسير بذلك، إذا ارتأى اللبنانيون أن مصلحتهم في هذا التوجه، لا في سلوك طريق مغامرات لا يحصد منها لبنان إلا مزيداً من الخسائر على مختلف المستويات.