IMLebanon

المفتي يستخدم «الفيتو»: كفى إهانات!

 

 

 

أعادت دار الفتوى تثبيت «توازن الردع» الطائفي في المعادلة الداخلية، بعدما نزعت الشرعية السنية عن ترشيح سمير الخطيب الى رئاسة الحكومة وحصرتها في الرئيس سعد الحريري، بالتوافق مع عدد من «مراكز الثقل» في الطائفة. فما هي الدوافع الحقيقية الكامنة خلف تدخل المفتي في هذا التوقيت؟

ما حصل في دار الفتوى الاحد الماضي من طَي لورقة الخطيب، عشيّة الاستشارات النيابية التي كان يفترص إجراؤها في قصر بعبدا، إنما انطوى على رسالة واضحة وحادّة الى العهد، مفادها أنّ «الأمر لنا» عندما تتعلق المسألة بموقع رئاسة الحكومة، وأنّ المرجعية الدينية للمكوّن السني ومعابره السياسية الاساسية هي ممر إلزامي لأيّ رئيس مكلف، «لا الاجتماعات الجانبية في قصر بعبدا او وزارة الخارجية».

 

وإذا كانت الرسالة الموجهة الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل بتوقيع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، إلّا أنها مكتوبة بحبر «بيت الوسط» ورؤساء الحكومة السابقين و»اتحاد جمعيات العائلات البيروتية»، بعدما اتخذ شَد الحبال حول اسم الرئيس المكلف طابعاً طائفياً.

 

وبهذا المعنى، فإنّ «انقلاب» الاحد الماضي على سمير الخطيب بَدا في حقيقته أقرب الى «انتفاضة سنية» على سلوك العهد منذ إقرار التسوية الشهيرة، وصولاً الى المعايير التي اتّبعها في التكليف والتأليف بعد استقالة الحريري، لكنّ أخطر ما في تلك الانتفاضة، وفق أوساط سياسية متابعة، هو أنّ قادتها قد يربحون معركة ويخسرون حرباً، «أي أنهم ربما يفوزون بجولة تكتيكية في السياسة، إلّا انهم يجازفون في المقابل بمصير اتفاق الطائف الذي ضُرب هذه المرة من بيت أبيه».

 

أمّا على المستوى المرحلي، فإنّ من شأن موقف دار الفتوى، المرتفع السقف، أن يعزّز الموقع التفاوضي للحريري على التكليف والتأليف، خلال الاسبوع الفاصل عن موعد إجراء الاستشارات الملزمة الاثنين المقبل، بعدما أصبح المرشح الوحيد للطائفة السنية الى رئاسة السلطة الثالثة.

 

وفي انتظار ما ستُفضي إليه الجولة الجديدة من المبارزة على حافة الهاوية، يعتبر مصدر بارز في تيار «المستقبل» انّ «الموقف الذي اتخذته دار الفتوى هو طبيعي وبديهي رداً على الاهانات التي تعرّض لها موقع رئاسة الحكومة خلال مفاوضات التكليف في الاسابيع الماضية»، لافتاً الى أنّ «المفتي لم يدخل على الخط إلّا بعدما أمعن البعض في العبث بالتوازنات الداخلية الدقيقة، من خلال إجراء فحوص دم للمرشحين الى رئاسة الحكومة، بعيداً من الآلية الدستورية الواجب اتّباعها».

 

ويشير المصدر الى أنّ «عون تأخر كثيراً في تحديد موعد الاستشارات الملزمة، ما يخالف الأصول المعتمدة في التكليف، كما أنّ باسيل كان يستقبل المرشحين في القصر الجمهوري ويفاوضهم على التركيبة الحكومية كأنه يجري استشارات غير رسمية على حساب الطائف والطائفة ومجلس النواب وموقع رئيس مجلس الوزراء».

 

ويلفت المصدر القريب من الحريري الى «انّ طبيعة النظام الطائفي المعتمد في لبنان تمنح دار الفتوى، كما غيرها من المرجعيات الدينية، حق التدخل في الشأن السياسي أو الوطني»، مشيراً الى أنه «سبق لبكركي بالتفاهم مع القوى المسيحية الاساسية أن حدّدت 4 مرشحين الى رئاسة الجمهورية من بينهم العماد عون الذي لم يعترض آنذاك، فلماذا التحَسّس الآن من سلوك المفتي؟»

 

ويضيف المصدر مستعيداً محطات سابقة: كذلك الأمر، سبق للبطريرك الماروني الراحل نصرالله بطرس صفير ان رفض إسقاط الرئيس اميل لحود عندما كانت قوى 14 آذار تدفع في هذا الاتجاه، ما أدّى الى لجم اندفاعتها، كما أنّ صفير وضع في إحدى المرات لائحة بعدد من الأسماء المقترحة لتولّي رئاسة الجمهورية، فلماذا كان يجوز ذلك سابقاً بينما يستكثر البعض حالياً على دار الفتوى ان تقول كلمتها في شأن دقيق يتصل بالتوازن الوطني والصلاحيات الدستورية؟ ويشير المصدر المطلع في «المستقبل» الى أنّ طريقة تعامل رئيس الجمهورية وباسيل مع ملف التكليف «وَلّد حالة من الغضب في الوسط الشعبي السني، الذي يعتبر انّ المفتي دريان تأخر كثيراً في رفع الصوت والاعتراض على استهداف موقع رئاسة الحكومة ودور الرئيس المكلّف».

 

ويؤكد المصدر انّ «موقف دار الفتوى أسهم الى حد كبير في امتصاص جزء من الاحتقان المتراكم في البيئة التي تمثّلها، وحال دون حصول تفاعلات سلبية أوسع في الساحة السنية»، داعياً الى «التقاط المغزى من القرار الذي اتخذه المفتي بالتشاور مع أركان الطائفة وهو أنّ الكيل طفح»، ومستغرباً «كيف انّ هناك من يروّج لنظرية «حكم الاقوياء في طوائفهم» عندما تخدم حساباته، ويتغاضى عنها حين يجد انّ مصلحته تتطلب تجاهلها».

 

ويعتبر المصدر اللصيق بـ«بيت الوسط» انّ «اتفاق الطائف ينطوي على تحديد مدروس للادوار والاحجام العائدة الى المكونات اللبنانية، وبالتالي فإنّ من مسؤولية دار الفتوى وواجبها أن تحمي هذه الشراكة المرهفة وتمنع تقويضها، ما دامت قواعد النظام لا تزال طائفية ولم تصبح بعد مدنية»، محذّراً من أنّ «استسهال البعض إعلان نهاية الطائف الذي أوقف العدّ هو طرح محفوف بالمخاطر، وقد يُدخل لبنان في المجهول»، ومتسائلاً: ماذا سيكون مصير المناصفة عندها؟ ومن يضمن أن يبقى توزيع السلطة وفق الترتيب الحالي؟