لا تطرق باب التاريخ إن لم تصطحب ضحاياك معك. لا البراءة سلاح. ولا النزاهة سلاح. رصيدك ارتكاباتك. غابات الجثث. بحيرات الدم. قوافل الأرامل والأيتام والمنفيين. التاريخ مستودع قساة.
في الفندق البعيد حركة غير عادية. اتخذ جوزف ستالين مقعده على رأس الطاولة. قبل الانتقال إلى النقطة التي استدعت عقد الاجتماع، طلب ستالين من يوري أندروبوف إطلاع الحاضرين على آخر التطورات في العالم.
قال أندروبوف:» الوضع الدولي شائك ومعقّد والمشكلات كثيرة. للأسف شارفت ولاية باراك أوباما على الانتهاء. استفدنا كثيراً من وجوده وسياسته الانسحابية. وعلى رغم كل ما يجري، أريد أن أطمئنكم إلى أن أوراقنا قوية وتتعزّز. لا أريد ان أخفي عليكم أن الرفيق فلاديمير بوتين لا يزال عضواً عاملاً وفاعلاً في الـ «كي. جي. بي». لا أذيع سراً إذا قلت إنه مازال يرفع تقاريره إليّ شخصياً».
وأضاف: «يتابع الرفيق بوتين بثبات واقتدار عملية الثأر التي أطلقها رداً على انهيار الاتحاد السوفياتي، وقيام ما سُمِّي القوة العظمى الوحيدة. يبذل الرفيق سيرغي لافروف جهوداً جبارة تعيد التذكير بمآثر رفيقنا أندريه غروميكو. التدخُّل العسكري الروسي المباشر في سورية أنقذ نظامها من السقوط. وضع منظومة «إس 400» الصاروخية على حدود الناتو. يعتقد الرفيق بوتين بأن قتل الإرهابيين والإسلاميين على الملعب السوري أفضل من مطاردتهم داخل الاتحاد الروسي، وعلى أطرافه».
شعر حافظ الأسد بالانزعاج من استخدام عبارة الملعب السوري، لكنه فضّل عدم إثارة الخلافات مع الروس في هذه المرحلة الدقيقة. تدخّل معمر القذافي: «ولكن أين كنتم حين قامت طائرات حلف شمال الأطلسي بقصم ظهر الوحدات الليبية وتدمير أسلحتكم وهيبتكم؟ أغمضتم عيونكم وتركتم ليبيا تسقط لقمة سائغة في يد الجرذان».
همَّ صدام حسين بالحديث فضرب ستالين بمطرقته على الطاولة. تابع صدام ساخراً: «الحقيقة، أجد صعوبة في فهم سياسات الرفيق بوتين. يرقص مع نظام الملالي على بقايا سورية، ولا يحرّك ساكناً أمام صورة قاسم سليماني قرب الفلوجة. يلعب بورقة الأكراد بحجة محاربة أردوغان ويتجاهل أنه يدمّر عملياً سورية، كما فعل الغزو الأميركي في العراق. يستقبل بنيامين نتانياهو كأنه الصديق الأول».
حصلت مشادة بين ستالين وصدام، اتُّفِق في نهايتها على شطب كلام الرئيس العراقي من محضر الجلسة مع توصية للرفيق بوتين ببذل جهد أكبر لتوضيح سياساته.
طرح ستالين موضوع الاجتماع، وطلب من الحاضرين التحدُّث بصراحة كاملة. قال إن مدير الفندق يطلب موافقة النزلاء على استقبال وافد جديد صباح غدٍ، اسمه محمد علي كلاي. تعرفون إيماني المطلق بالديموقراطية والأمر متروك لكم. لا أعرف شيئاً عن الشخص المذكور لكنني لا أريد ان أُملي عليكم أي موقف. أتمنى ألا يكون هذا الشخص من إنتاج مطابخ الـ «سي آي إي» أو من دعاة المجتمع المدني والثورات الملونة.
حصل هرج ومرج. وسُمعت عبارات تنم عن غضب واستياء. هذا فندق للقادة التاريخيين وليس فندقاً سياحياً. هل تريدون أن يجلس بطل ملاكمة إلى جوار كيم إيل سونغ وهوشي منه؟ مواصفات القائد التاريخي معروفة. يجب أن يكون أقام طويلاً في القصر، قبل انتقاله إلى القبر. يجب أن يكون نفّذ انقلاباً. أو قاد ثورة. أو اجتاح دولة مجاورة. أو علّق جثث المعارضين ليكونوا عبرة. يجب ألا نَسقُط تحت وطأة الإعلام. إذا لم نحترم المعايير لن يتسع فندق التاريخ للوافدين. سنضطر إلى استقبال حائزي جائزة نوبل.
تصوروا أيها الرفاق غابرييل غارسيا ماركيز يجلس بيننا على رغم كل السفاهات التي كالها لمن يسميه الديكتاتور. إذا لم نحترم المعايير سنضطر أيضاً الى استقبال الفائزين في مهرجان «كان». تخيّلوا ليوناردو دي كابريو يجلس إلى جانب بول بوت. ماذا فعل دي كابريو؟ لم يدفع مدينة إلى ركامها. ولم يزرب الدم من قراراته. مَنْ يضمن ألاّ نُدعى لاحقاً إلى استقبال أم كلثوم؟
بدا الانزعاج واضحاً على وجه نلسون مانديلا. قال إن المآسي التي يعيشها العالم اليوم تعود في جزء كبير منها إلى ارتكابات من يوصفون بالقادة التاريخيين. القادة الحقيقيون هم مَنْ يساهمون في بناء الضمير الإنساني. المبدعون الذين يجعلون حياة الناس أفضل وأقل قسوة.
وأضاف: «محمد علي كلاي رمز للقوة. للبراعة. للسرعة. للإصرار. لكنه كان أيضاً مصدر أمل لذوي البشرة السمراء. ثم إنه لا يُختصر بقبضتيه. كافَحَ التمييز. ورفَضَ حرب فيتنام ودفع ثمن رفضه الانخراط فيها. قدّم عن الإسلام الذي اعتنقه صورة حضارية وإنسانية. حتى ارتعاشه واضطراب حركاته بفعل المرض، كان موحياً ومليئاً بالدروس».
طرح ستالين الموضوع على التصويت. رفضت الغالبية استقبال الزائر. اعتَبَرت وجوده مسيئاً إلى هالة الفندق وسمعته. أوصت بالبحث لمحمد علي كلاي عن فندق آخر.