IMLebanon

محمد جلال فيروزنيا: أخجلتَ تواضُعَنا

 

بصراحة، إغرورقت أعيننا بالدموع أمس أثناء استماعنا الى السفير الايراني بعد زيارته الديمان يدعونا الى “بناء جسور المحبة وتحصين الوحدة الوطنية”. ولولا بعض التفاصيل لظننا ان المتحدث سفير الاتحاد السويسري أو رئيس جمعية “الحبل بلا دنس” أو ممثل “اذكرونا بالخير… دار الأيتام الاسلامية”.

 

ويبدو ان الحنان الذي أغرقنا به سعادة محمد جواد فيروزنيا بعد لقائه غبطة البطريرك الراعي غير منفصل عن سياسات “الجمهورية الاسلامية” في كل الدول التي وصلت إليها يدها الحانية. والبصمة الايرانية واضحة في سوريا والعراق واليمن، وهي تحولت “قبضة” نترك لسعادته ومحبيه وصف طبيعتها في لبنان.

 

يحتاج السفير الايراني المحترم الى إعادة إنعاش ذاكرته بالأصول لتركيز المصطلحات الديبلوماسية ومواءمة الممارسات والمواقف مع واجب احترام حدود الدول وتوازناتها وإرادة كل أهلها ونخبها المثقفة. وإذ ان الديبلوماسية الايرانية تُشبَّه تحبُّباً بـ”حياكة السجاد”، فمعنى ذلك ان المُنتَج يجب ان يتحول مُتعة للملمس والعين وليس مَرتعاً يخفي تحته ما يتوجب أن يُزال من كل دار. أما نظرية “الذبح بالقطنة” فتصلح مع الأعداء فقط وما يضر بمصالح ايران حصراً، في حين ان “الرهان على الوقت” في هندسة معادلات الصراع في الإقليم هو خيارٌ حرٌ لكنه يُضحي إيذاءً ومقامرة ببلد آخر “له أصحاب” حين تُضبط “ساعة التفجير” على توقيت طهران.

 

يدرك سعادة السفير حتماً الفرق في اللغة الديبلوماسية المتعارف عليها بين الصدق والمجاملة والرياء، ويعلم جيداً ان إعلانه عقب لقاء البطريرك نأي بلاده عن “الشأن الداخلي اللبناني” يدفع الى الابتسام، فالضحك، فالاشمئزاز، وربما الغثيان، لذا فإن مراجعة بسيطة للتصريح يجب أن تدعوه للاعتذار عن إهانة ذكاء اللبنانيين وبينهم جمهور ايران وبيئة المقاومة و”حزب الله”. وإن اعتقدَ ان الحاج محمد رعد سيتمتم له: “أحسنت”، فليتصور الرئيس بري مُطلِقاً ضحكة يتردّد صداها من “عين التينة” الى مبنى السفارة الايرانية في “الجناح”.

 

كان أفضل حتماً لو أكد سعادة السفير على مواقف قادته الدينيين والعسكريين المعلنة في المنطقة ولبنان. وبدل ان “يضع امكانات بلاده في تصرفنا” حبذا لو صارحنا بمعدل الفقر في ايران، وبمعاناتها الاقتصادية في ظل العقوبات، وارتباكها إزاء عدم التجاوب مع طلبها النجدة من صندوق النقد الدولي لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، وليقُل: “يسوانا ما يسواكم… عملتنا تنهار بوتيرة أسرع من ليرتكم. مفاعلاتنا النووية تعاني تخصيب هجمات. خبراؤنا المنتشرون في سوريا عرضة لقصف اسرائيلي منهجي بلا دفاعات. لا حول ولا قوة لنا، مقتل قاسم سليماني نسَفَ معادلة الردع ولا نجرؤ على معاودة تعديلها حتى الآن”.

 

سعادة السفير، شكراً لاستعداداتك الطيبة وللنوايا الحسنة. لكن مَن يملك ألفَ صاروخ في لبنان عليه التردد لحظات قبل اعتبار أمور هذا البلد “شأناً داخلياً”، ومَنْ يمون على رئيس جمهورية وحكومة ومجلس نواب ليس صديقاً وحليفاً فحسب، بل “أخاً أكبر” يرخي بثقله على كلّ مكونات لبنان ويكاد يخنق شعبنا كله من شدة العناق.

 

أتريد مساعدتنا فعلاً سعادة السفير؟ لا ضرورة لتَجَشُّم عناء زيارة الديمان أو أي مكان: أتركوا شعبنا المقهور يعيش ولو في ظل منظومة الفساد، وارأفوا بحال الدولة والناس. أنتم أحرار في ايران. واجهوا أميركا واسرائيل وكلّ العالم، إن شئتم، وتحملوا مسؤولياتكم تجاه شعبكم… لكن إرفعوا أيديكم عن لبنان.