كان يمكن للرئيس بري اختيار محمد وسام المرتضى لشغل أي منصب حكومي أو حركي. فهو أذكى من أن يَعهد اليه بوزارة الثقافة، وأعقل من أن يضع حديثَ خبرةٍ بالشأن العام في موقع يُطالَب من يحتله بأعلى معايير المعرفة. غلطة الرئيس بري بألف، لكن بات ضرورياً إفهام المرتضى أن امتلاءه من نفسه لا يعني أنه صاحب حق وسلطان، وأن حملته الطائفية والسياسية على المحقق العدلي ورئيس مجلس القضاء وسائر القضاة الذين تولوا مسائل المخاصمة والرد، يجب أن تجعله يخجل مما يتفوه به. لغة التجني الميليشيوية لا تليق بمواطن عادي، فكيف بمحام أقسم على نزاهة الدفاع وبقاض حكمَ بين متخاصمين وبأستاذ درَّس في جامعات حقوق؟
الثقافة قيم حضارية وإنسانية يا معالي الوزير قبل أن تكون ابداعاً فنياً أو فكرياً أو إعجازاً لغوياً. وأولها احترام النفس البشرية والضحايا والأهل المكلومين واتخاذ الاجراءات القضائية في حق أي ذي علاقة بالجريمة، سواء كان وزيراً أو نائباً أو رئيساً أو رجل دين. فلا يجوز لك من هذا الموقع بالتحديد طعن القضاء بخنجر الانحياز والاستقواء لتنفيذ هوى سياسي وحزبي.
علِمنا ما يُظهره ويُضمره معاليه “من فلَتَات لسانه” حين ختم جلسات مجلس الوزراء مُرغياً ومُزبداً ومطالباً بقبع البيطار وبإدخال التحقيق دهاليز مجلس النواب. وإذ ان رئيس الجمهورية عضَّ على جرح التطاول فختمَ النقاش، ورئيس الحكومة دوَّر زاوية الإهانة بأسف شديد، ظنَّ وزير الثقافة أنه يستطيع التمادي، فكرر هجومه على القضاء مستخدماً عدة البيان والتبيين وكل أنواع البديع معتقداً أن البلاغة كفيلة بإيصال الرسالة وأنها تركيب كلام يغني عن المعنى القويم.
ساء معاليه كثيراً أن يصدر عن أعلى مرجع قضائي شعار “الشعب والجيش والقضاء”. فرأى فيه أنواع الرذائل مجتمعة، ولم يتردد، بعملية استنتاج بسيطة، أن يحول الداعين الى هذه “الثلاثية” مجرد أدوات تآمرية ضد “الثلاثية الفولاذية” التي أبهرتنا بإنجازاتها، من الأمن والاقتصاد والمال وصولاً الى الثقافة التي هوَت الى معاليه. وليس وصفه المحقق العدلي أو رئيس مجلس القضاء بأنه “سبع البرومبه” نكتة ظريفة تُضحك القراء والسامعين، بل استخفافٌ وإسفافٌ إن لم يحاسِب عليهما القانون أو أخلاقيات المهنة والمهمة فإنه يجب على الرئيس بري المبادرة الى أخذ زمام التنبيه أو التقريع.
لا نعلم هل كان الوزير المرتضى محامياً يحسب له حساب في ميزان الدفاع وإحقاق الحق، او كان قاضياً حكمَ بحكمة العادلين. فما بدر منه من اعتداء على التحقيق العدلي والقائمين عليه، وما لجأ اليه من سلوك غير ديموقراطي في مجلس الوزراء، وما صدر عنه من تصريحات تخفي المعنى الفاسد بالمبنى الصحيح والجميل، تجعل اللبنانيين يناشدونه متابعة مسيرة نجاحه السابقة في أي مضمار، باستثناء تولي الشأن العام من موقع وزير الثقافة وواجهة لبنان الحضارية على عالم لا يشاركه حتماً قيم الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان.
معالي الوزير، إليك في الختام جملة صحيحة لغوياً مئة في المئة علَّك تقلع عن التلاعب بالتعابير:
“عزفت النملةُ النشيد الوطني”. يمكنكَ استبدال “عزفت” بأي فعل كان، و”النملة” بأي فاعل، و”النشيد الوطني” بأي مفعول به، فتبقى الجملة لغوياً بلا شائبة. لكن أين المعنى المفيد والمنطق السليم والموقف السديد؟