وزع أمين عام حزب الله حسن نصرالله في كلمته الأخيرة التهديدات في كلّ الإتجاهات مصوّباً على العدو الإسرائيلي الذي باشر الإستثمار في حقل كاريش بالتزامن مع إعلان شركة توتال عدم اهتمامها بالإستثمار في البلوكات اللبنانية، كما على خصومه السياسيين في الداخل المتمردين على رغبة الحزب بشأن خياره الرئاسي مؤكداً لهم أنهم سيخسرون كلّ ما تبقى كما خسروا في السابق. التقاطع الذي يمكن قراءته بين تلك التهديدات المتناثرة مسرحه الإستحقاق الرئاسي وهو تعبير عن ردة الفعل حيال تقاعس الخارج وربما عجزه في الضغط على حلفائه للإنصياع لخيار حزب الله الرئاسي .
في موضوع استخراج الغاز تصرف نصرالله وفقاً لما يعتقده غالبية اللبنانيين بأنّ الترسيم وفقاً للخط 23 قد تمّ بضوء أخضر من حزب الله وأنّ الحزب هو العراب الحقيقي للإتّفاق، وها هو يستكمل الآن ما بدأه مستخدماً أدبياته المعهودة لتذكير ضامني الترسيم بما لم يرِد في مندرجات الإتّفاق وبما يسهّل استنتاجه بين سطوره التي صيغت بسلاسة وسرعة فائقتين. نصرالله لم يتوجّه للرئيس نبيه بري الذي كان أول من أعلن بكلّ ثقة عن الإتّفاق الإطار ولم يطالب وزارة الخارجية أو الوسيط الوزير السابق الياس بو صعب بما تمليه عليهم موجبات ملاحقة تنفيذ الإتّفاق بل آثر مخاطبة من يعنيهم الأمر من موقع الوصي على لبنان ومصالحه والمعني الحصري بعلاقاته الخارجية.
في الداخل، أعقب كلمة نصرالله في اليوم التالي إعلان مجموعة من السفارات لا سيما الأوروبية منها عن مجموعة من الإجراءات والتحذيرات لمواطنيهم المقيمين في لبنان يُستدل منها توقّع حصول إشكالات أمنية مرتقبة وربما إنفلات الوضع الأمني وبما يلاقي تهديدات نصرالله، وتزامن ذلك مع جولة قامت بها سفيرة فرنسا في لبنان «آن غريو» شملت رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط لمناقشة المستجدات أعقبها إتصال هاتفي أجراه جنبلاط مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف تناول الإستحقاق الرئاسي. زيارة غريو لجنبلاط لا يمكن فصلها عن التسويق الفرنسي الدؤوب لتسوية رئاسية بشروط حزب الله ورهان باريس على مفاعيل تغيير موقف جنبلاط على موقف المعارضة وتشكيل السلطة فيما بعد.
كيف تنعكس الأجواء الإقليمية على تمسّك حزب الله بخياره الرئاسي، وما هي إحتمالات النجاح المتاحة؟ وهل يمكن الفصل بين ما يواجهه الحرس الثوري في سوريا وقدرة حزب الله على فرض شروطه في لبنان؟
في هذا الإطار لا بدّ من التوقف مليّاً عند حدثيْن :
أولاً: الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع تابعة للحرس الثوري في كفرسوسة – دمشق والتي أدت الى تدمير الأماكن المستهدفة وسقوط عدد من القتلى. الخصوصية الأمنية التي تحظى بها منطقة كفرسوسة نظراً لتمركز العديد من المقار الأمنية والدبلوماسية كافية للدلالة على أهمية الأهداف وخصوصيتها وسريّتها المفترضة، وبما يؤكد الإختراق الإستخباراتي للمنطقة وقواعد الإشتباك المعمول بها بين كلّ من روسيا وتل أبيب ودمشق التي تتيح حرية العمل للطيران الإسرائيلي لضرب اأاهداف الإيرانية.
ثانياً: الموقف النوعي للأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي من الوضع في سوريا وذلك خلال منتدى ميونيخ للأمن الذي انطلق في 17 من الشهر الحالي، ويحضره قادة أكثر من 40 دولة وما يزيد عن 100 ممثّل عن 96 دولة أوروبية وآسيوية وإفريقية وأميركا اللاتينية بالإضافة الى الولايات المتّحدة. يقول بن فرحان: «إنّ إجماعاً بدأ يتشكّل ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأنّ الحوار مع دمشق مطلوب «في وقت ما» حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين». ويضيف « أنّ الوضع الراهن غير قابل للإستمرار وأنه في ظلّ غياب سبيل لتحقيق «الأهداف القصوى” من أجل حلّ سياسي فإنّ نهجاً آخراً بدأ يتشكّل لذلك، وينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية».
ما هي الأهداف القصوى التي تكلم عنها بن فرحان وما هي الأهداف الأكثر أهمية التي ينبغي تحقيقها؟ طبعاً لا يستوجب الموقف الإنساني من سوريا – الذي سبق وعبّرت عنه المملكة بمساعدات فورية وسخيّة لكلّ من سوريا وتركيا – طرح مسألة فك العزلة عن سوريا أمام هذا الإجماع الدولي في «منتدى ميونيخ للأمن» والحديث عن إجماع عربي لاستئناف الحوار مع دمشق. وفي هذا الإطار يصبح التساؤل مشروعاً عن ماهيّة الإلتزامات المطلوبة من دمشق للخروج من عزلتها والإنتقال من مرحلة تحقيق الأهداف الأكثر أهمية إلى مرحلة تحقيق الأهداف القصوى؟ وماهيّة تداعيات ذلك على لبنان في ظلّ استحالة الفصل بين لبنان وسوريا كساحتيْن مستباحتيْن لطهران؟
إنّ خروج سوريا من عزلتها يعني تثبيت النظام والإعتراف بشرعيتة وهذا يعني من خلال التجارب المتكررة أنّ لهذا النظام دوراً وربما أدوار جديدة قد يكون من بينها إنهاء عزلة لبنان بما يحاكي حلم دمشق الدائم في لبنان.
—————-
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات