لم يتطوّر الإرتياح الذي خلّفه تأكيد وزير الداخلية بسام المولوي على الإلتزام القانوني بإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية بدءاً من مطلع شهر أيار المقبل، إلى ثقة تامة بإنجاز هذه الإنتخابات فعلياً… فإصراره بقي مربوطاً بتأمين الإعتمادات، فيما أقرن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التأكيد على إنجاز الإنتخابات البلدية، بعدم إنعقاد مجلس النواب للتصديق على قانون يمدّد للمجالس القائمة حالياً، على رغم تصريحه بأنّ توفّر الإعتمادات ممكن عبر حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي. وهذا ما يخلّف إنطباعاً بأنّ إجراء هذه الإنتخابات، وُضع كطبق إضافي على مائدة المناورات السياسية، مع ما يمكن أن تتسبّب به من إسقاطات للمواعيد القانونية، وبالتالي إغراق البلاد في مزيد من الفوضى السائدة.
أكد وزير الداخلية في المقابل، أنّه ليس هناك من سبب لعدم إجراء الإنتخابات، مركّزاً خصوصاً على الفوائد من تجديد المجالس البلدية التي إعتبرها أكبر بكثير من كلفة إجراء الإنتخابات. وهذا صحيح إلى حدّ بعيد، خصوصاً أنّ غالبية المجالس البلدية بلغت السنة الأخيرة من ولايتها منهكة، وقد عكست تداعيات التمديد لها في العام الماضي تهالكاً كبيراً في بنيتها، وتنافراً في أوساط أعضاء معظم المجالس البلدية، حتى الأكثر تناغماً بينها، وخصوصاً بعدما قلّصت الأوضاع المالية الصعبة من طموحاتها.
وليس حال المخاتير أفضل هنا. فعلى رغم تمسّك معظم المخاتير بأختامهم التي يبدون إستعداداً لخوض الإنتخابات مجدّداً للفوز بها، يعتبر هؤلاء أنّ مهمّات المختار صارت محمّلة بأعباء مالية لم يكن يُحسب لها حساب في السابق، وخصوصاً في ظلّ فقدان بعض الطوابع والمستندات التي لا تكتمل المعاملات من دونها، وهو ما رتّب أكلافاً إضافية لإنجازها. كلّ ذلك وسط شلل في الإدارات، فرض على المخاتير بذل جهود مضاعفة لتسيير أمور من إختاروهم، والإحتفاظ بثقتهم من دون أي مقابل. والأسوأ وفقاً لما يرويه مختارون، أنّهم عندما يحاولون تحصيل هذه الأكلاف من أصحاب المعاملات يتحوّلون متّهمين بنظرهم، وإذا حاولوا إبعاد الشكوك عن مصداقيتهم عبر الإمتناع عن تأدية المهمّات التي تفرض عليهم أعباء مالية، يتّهمون بالتكاسل.
مصير الأختام
ومع ذلك، يفضّل المخاتير كما يقولون أن يحتفظوا بأختامهم، إذا لم يكن في الافق ما يمكن أن يزيل الغموض الذي لا يزال يحيط بالعملية الإنتخابية. وذلك لا يمكن أن يكون من دون مخارج قانونية واضحة، تصون قانونية ختم المختار الذي يقترن بكافة المعاملات الرسمية وغير الرسمية التي يحتاجها المواطنون، بدءاً من يوم ولادتهم وحتى يوم وفاتهم.
وفقاً لمخاتير إلتقتهم «نداء الوطن»، يبدو الشغور في المجالس البلدية أسهل من الشغور في المخترة. إذ إنّ للبلدية كما يقول هؤلاء رئيساً، وصلاحياته يكلّف بها المحافظون والقائمقامون وفقاً للقوانين، وكانت هناك سوابق عبر تسلم المحافظين والقائمقامين في مختلف المناطق لمسؤوليات البلديات المنحلّة إنتقالياً، وتسييرهم بالتالي بعض الشؤون الإنمائية الملحّة. أمّا بالنسبة للمخترة فيؤكد هؤلاء أنّه «لا يمكن لأي جهاز إداري أن يتولّى مهمّاتها. خصوصاً أننا نتحدّث هنا عن عدد كبير من المخاتير، (نحو 2350 مختاراً وفقاً لأرقام آخر إنتخابات جرت في سنة 2016)، لكل منهم صلاحيات مشابهة في إدارة شؤون المحلّة التي إختير فيها. وبالتالي من شأن الفراغ هنا أن يتسبّب بفوضى عارمة.
صلاحيات غير قابلة للانتقال
ومن الأسباب التي تجعل صلاحيات المختارين غير قابلة للإنتقال لأي سلطة إدارية يشرح هؤلاء «أنّ المختار يقسم اليمين الدستورية أمام القاضي المنفرد الجزائي قبل تسلمه ختمه والبدء بممارسة مهمّاته، وهو ملزم أيضاً بالتصريح عن ثروته. وفي هذه الضوابط التي ترعى عمل المختار، ما يعكس خطورة المسؤولية التي يتولّاها، وتتطلّب أيضاً أن يكون صاحب ضمير حيّ، تفادياً لإلحاق الأذى بمجتمعه، ومن هنا أهمّية إشراك المجتمعات بإختياره».
وفي توضيح لطبيعة المسؤوليات التي يتولّاها المختار، يعود هؤلاء إلى ملفّات تتضمّن جردة من المعاملات التي لا تكتمل من دون ختم إلزامي للمختار. فالمختار عملياً هو المعرّف الشخصي بكلّ فرد في حيّه أو قريته. فلا يولد شخص في الدوائر الرسمية أو يموت من دون إستكمال الوثائق التي يجب أن تحمل توقيع المختار وختمه. وكذلك هو الحال في حالة الزواج. وتوقيعه وختمه أساسيان في تقديم طلبات الحصول على إخراج قيد أو بطاقة هوية، أو جواز سفر، وفي إفادات السكن التي تطلب عند إنجاز أي معاملة رسمية، أو حتى لشراء سيارة أو عقار.
وهو الذي يمنح وثيقة حسن السلوك عند التقدّم لبعض الوظائف. وهو من يمنح شهادة حول الوضع العائلي، سواء لتبيان فقر الحال عند طلب منحة دراسية، أو للتعريف بالزوجات المعيلات، أو إعطاء إفادة للإبن المعيل، وخصوصاً عند إستكمال بعض المعاملات التي يحتاجها الضمان الإجتماعي. كما أنّ توقيعه وختمه أساسيان على إفادات تعريف الأسماء التي يحتاجها البعض، أذونات سفر القاصرين مع أحد والديهم، وإستكمال معاملات حصر الإرث. عدا عن نموذج يطلب أحياناً من المخاتير تحت عنوان «لمن يهمّه الامر»، ومفعوله متشعّب بحسب الحاجة، وغالباً ما يكون موجّهاً إلى الأجهزة الأمنية أو حتى السفارات. هذا فضلاً عن المهمّات المنوطة بالمخاتير حتى خلال الإنتخابات، النيابية أو البلدية، والأعباء التي تلقى على عاتقهم في التأكد من صحّة لوائح الشطب، إلى الدور الإجتماعي التقليدي للمختار في المجتمعات الريفية سواء كمصلح أو حتى كصلة وصل بين أبناء حيّه أو قريته والدولة ومؤسساتها.
أخيراً أضيف إلى مسؤوليات المخاتير أيضاً، إنجاز بعض المستندات والمعاملات التي يحتاجها النازحون السوريون، من وثائق ولادة ووفاة وغيرها من إفادات السكن والمستندات التي تطلبها عادة الجهات المانحة.
هذا في وقت يصطدم التعريف بهؤلاء المخاتير أمام الجهات المانحة ببطاقتهم المنتهية الصلاحية منذ أيار 2022. فبحسب المخاتير، فإنهم طالبوا مراراً بتجديد هذه البطاقات التي تمنح لهم مصدّقة من وزارة الداخلية، إلا أنّ الجواب كان يأتيهم في كل مرّة أنّه لا إمكانيات مادية أو حتى لوجستية لتغيير هذه البطاقات. وبالتالي فإنّ معظم المخاتير حالياً يعرّفون عن أنفسهم ببطاقات منتهية الصلاحية، لا تذلّل من مخالفتها القانونية سوى العلاقة الوطيدة التي تربط المختار عادة بمختاريه.
وحتى لا تتعمّم حالة الفوضى هذه بشكل أوسع، تعتبر أوساط بعض المختارين أنّ الضغط يجب أن يحصل لإتمام الإنتخابات التي تشكّل مسؤولية وطنية، وإلا تأمين مخرج قانوني يسمح لهم بمتابعة مهمّاتها. والمطلوب بالنسبة لهم هو الوضوح التام حول مصير هذه الإنتخابات، خصوصاً أنّ هامش الوقت الذي يفصل عن موعد إجرائها أصبح ضيقاً جدّاً. وبالتالي كلّ أختام المخاتير الحاليين، بعد تاريخ 31 أيار يجب أن تنتقل للمنتخبين الجدد، وإلا يعتبر إستخدامه مخالفاً ما لم تتمّ تغطيته قانونياً.