Site icon IMLebanon

المعركة البلدية في «عروس الشلاّل» سياسية… و«هواها» جنوبي بامتياز

تتوارث الأجيال في لبنان وتتناقل الأمثالَ الشعبية، ويقول المثل عند قساوة وبرودة الرّيح إنّ «الهوا شمالي بقُصّ قَصّ»، أما «الهوا الجنوبي» فيكون أقلّ حدّة وبرودة. وعلى رغم اتخاذ المعركة الانتخابية النيابية والبلدية في جزين الطابع السياسي، إلّا أنها كانت هادئة تماماً مثل «الهوا الجنوبي».

في جزين «عروس الشلال» القرية المسيحية الأكبر في قضاء جزين ومحافظة الجنوب، انحصرت المعركة الانتخابية البلدية بين لائحتين، لائحة «نحنا لجزّين نحنا جاهزين» من جهة، وهي تحالفية بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» والنائب والوزير السابق إدمون رزق وبعض العائلات، تُقابلها لائحة «الإنماء أوّلاً»، المدعومة من المرشّح عن المقعد الماروني الشاغر في جزين ابراهيم سمير عازار، والحزب «السوري القومي الاجتماعي» والكتائب اللبنانية. فيما أظهرت النتائج الأولية فوز لائحة «نحنا لجزّين نحنا جاهزين»، في وقت فاز تحالف «القوات» و«التيار» بـ 5 مخاتير من أصل 6.

معركة إنتخابية ثلاثية

ترد على لوائح الشطب في جزين-عين مجدلين أسماء نحو 10 آلاف ناخب، يقترع منهم عادة نحو 5 آلاف لمجلس بلدي يتألّف من 18 عضواً، و8 مخاتير، 6 منهم لجزين واثنان لعين مجدلين. وتنافست أيضاً لائحتان مكتملتان للمقاعد الاختيارية، كلّ واحدة منها متحالفة مع إحدى اللائحتين البلديّتين.

وفي حين بلغت نسبة الاقتراع في دورة الانتخابات البلدية عام 2010 نحو الـ53 في المئة، توقّع جميع المتنافسين أن ترتفع نسبة الاقتراع في هذه الدورة أكثر، إذ إنه وإلى جانب الانتخابات البلدية تُجرى انتخابات نيابية فرعية في قضاء جزين، ويدعم كلّ من المرشحين إلى المقعد النيابي الشاغر أمل أبو زيد وابراهيم عازار إحدى اللائحتين. لكن لم تصحّ التوقعات وأقفِلت صناديق الاقتراع على نحو 45 في المئة.

لا الطقس الحار ولا بُعد جزين عن بيروت أو زحمة السير منعت أبناء جزين الذين يسكنون العاصمة من الاتجاه جنوباً لممارسة حقهم الديموقراطي والاقتراع لمجلسٍ بلديٍّ جديد.

تستقبلك على مدخل جزين التي تقع على بعد 40 كم من صيدا و80 كم إلى الجنوب من بيروت، غابات الصنوبر كما عناصر الماكينات الانتخابية. وفيما لم تنشط كثيراً ماكينة «الكتائب» في الجولات الانتخابية السابقة، وكان غيابها عن أرض المعركة في بعض المناطق مثل الأشرفية واضحاً، استقرّ عناصر ماكينة الكتائب عند مدخل جزين ليوزعوا على المارّة لائحة «الإنماء أوّلاً».

«التيار» و«القوات»

يبدو أنّ مناخ جزين الجنوبي لاءم تحالفَ التيار-القوات، فقد تُرجمت عملياً لدرجة «الاندماج» في هذا اليوم الانتخابي لتحقيق النصر. يقف عناصر الماكينتين بعضهم مع بعض، مرتدين اللباس ذاته، والقمصان التي خُطَّ عليها شعار «القوات» و»التيار»، واسم لائحة «نحنا جزين نحنا جاهزين» أو عبارة «كلّنا أمل»، تعبيراً عن دعم المرشّح على المقعد النيابي أمل أبو زيد.

عمّ الهدوءُ مراكزَ الاقتراع الثلاثة في جزين: ثانوية جزين الرسمية، تكميلية جزين الرسمية ومدرسة عين مجدلين الرسمية. ولم يتخلّل النهار الانتخابي أيّ إشكال بحسب رؤساء المراكز.

ماكينتا «القوات» و«التيار» حضرتا بكثافة في مقابل وجود خجول لماكينات اللائحة المقابلة، وكان اللون البرتقالي الطاغي في جزين، وامتلأت المقاهي بالـ«عونيين» والـ«قواتيين»، كما لم تُسمع في المنطقة إلّا الأغنيات الخاصة بالحزبين.

الأهالي عبّروا عن فرحتهم لأنهم سينتخبون النائب الشرعي الوحيد في المجلس النيابي المُمدّد له، ما زاد من حماوة المعركة، فغالبية المقترعين صوّتت للمقعد النيابي كما للمقاعد البلدية والاختيارية، وقلّة منهم صوّتت لإحداها دون الأخرى.

أمّا العصب أو التعصب «الجزيني» فقوي نسبياً، وكان الأهالي يفضّلون أن يكون النائب المُنتخب عن قضاء جزين من المدينة وليس من منطقة أخرى من القضاء.

هذا السبب أثّر بعض الشيء على وجهة سير المعركتين الانتخابيّتين النيابية والبلدية بحسب المرشح لرئاسة المجلس البلدي خليل حرفوش، المنتمي إلى «التيار الوطني الحر»، والذي أوضح لـ«الجمهورية» أنّ «نسبة الاقتراع جيدة»، مشيراً إلى أنه تمّ تشكيل لائحة «نحنا جزين نحنا جاهزين» على أساس تحالف بين «التيار» و«القوات» والنائب السابق إدمون رزق».

وإذ لفت إلى أنه «كان من المفترض التحالف مع حزب الكتائب، إلّا أنّ خلافاً حزبياً داخل «الكتائب» في جزين حال دون ذلك»، مؤكّداً أنّ «قسماً من الكتائب يدعمنا وصوّت معنا».

«التيار» في جزّين موحّد

إلى جانب الالتزام التام بالتحالف بين «القوات» و»التيار الوطني الحر»، لم يشهد «التيار» انقسامات وإشكالات مثل بقية المناطق، فحتى النائب عن قضاء جزين زياد أسود والذي يُعرف بعدائه لـ»القوات اللبنانية»، التزم التحالف والتوافق.

وأكّد حرفوش أن «لا مشكلة أو انقسام على الصعيد الحزبي، ولا تشطيب من الحزبيين في التيار»، مشيراً إلى «أنّ آل الحلو فقط ألّفوا لائحة مشكّلة بهدف اسقاطي شخصياً لأنهم كانوا يريدون رئيساً للمجلس البلدي من عائلتهم».

خليل حرفوش كان يرأس المجلس البلدي السابق، كما اتحاد بلديات القضاء، واتهمه أعضاء اللائحة المقابلة بعدم العمل على إنماء جزين وأنه موجود دائماً في بيروت، فردّ حرفوش على ذلك، مؤكّداً: «نقلنا جزين من النسيان والإهمال إلى الإنماء في قطاعات الزراعة والسياحة والصناعة، أنشأنا 3 معامل، وعملنا على تحسين البنى التحتية، كما على تأمين الكهرباء، والمياه، فأصبح الناس من كلّ لبنان يسمعون بإسم جزين بعدما كانت مغيّبة لمدة طويلة».

واعتبر «أنّ حسن إدارة البلدية غير متعلّق بسكن رئيس المجلس البلدي بشكلٍ دائم في جزين أم لا»، مشيراً إلى أنّ «الجميع يعرف أنني أدير البلدية واتحاد البلديات على أكمل وجه».

ضمن لائحة «نحنا لجزين نحنا جاهزين»، عضوان يمثلان النائب السابق إدمون رزق، فيما تقاسم بقية المقاعد «التيار» و»القوات»، وتمّ الاتفاق على أن تكون رئاسة المجلس البلدي لـ»التيار الوطني الحر»، ومنصب نائب الرئيس لـ»القوات»، وستكون مناصفةً لمدة 3 سنوات لكلّ من بول القطّار وسامر عون.

وأكّد المرشّح سامر عون لـ«الجمهورية»، «التزام الحزبيين في «القوات» اللائحة كاملة والتحالف مع «التيار» سياسياً إن في المعركة الانتخابية البلدية أو النيابية»، معتبراً أنّ «لائحة «نحنا جزين نحنا جاهزين» تمثّل غالبية النسيج الجزّيني من عائلات وأحزاب».

تحالف «الكتائب» و«القومي»

في الجهة المقابلة، تمّ الاتفاق على أنه في حال فوز لائحة «الإنماء أولاً»، يتقاسم رئاسة المجلس البلدي العميد المتقاعد نادر أبو نادر والدكتور جوزيف رحّال، كلّ واحد منهما لثلاث سنوات. وقال رحّال لـ«الجمهورية»: «لائحتنا تمثّل العائلات، والحزب السوري القومي، والكتائب اللبنانية والأستاذين ابراهيم عازار وفوزي الأسمر».

وأشار إلى أنه كان «متحالفاً في الدورة الانتخابية السابقة مع «التيار الوطني الحر»، وكان الاتفاق أن يُنتخب هو مكان خليل حرفوش لثلاث سنوات بعد استلام وليد الحلو رئاسة البلدية للسنوات الثلاث الأولى، لكن تمّ الإخلال بالاتفاق، وتفرّد رئيسا البلدية بقرار البلدية فاقتصر دور أعضاء المجلس البلدي على التوقيع على القرارات المعلّبة فقط».

وأضاف: «نشكّل فريقاً واحداً، قلباً واحداً، و90 في المئة من أعضاء اللائحة ومنهم المرشحون للرئاسة ويسكنون في جزين بشكلٍ دائم، ما يُسهّل ويسرّع من وتيرة العمل واتخاذ القرارات، ومعالجة قضايا الأهالي».

في لائحة «الإنماء أولاً»، ثلاثة مرشحين عن الكتائب، هم أنيس مارون الأسمر، وفؤاد شويري وجورج العرية. حيث أكّد الأسمر لـ»الجمهورية»، «أننا مدعومون من النائب سامي الجميل شخصياً».

وعن سبب تحالفهم مع «القومي» عوض تحالفهم مع حليفهم الاستراتيجي التاريخي «القوات اللبنانية»، أوضح: «لم نكن يوماً بعيدين من الحزب القومي في جزين، كما أنّ «القوات» اختارت تحالفات أخرى وأصبح قرارها يأتي من مكان بعيد من جزين».

الخيار «الجزّيني»

شهدت جزين معركة انتخابية بلدية سياسية بامتياز، وفي حين وصلت نسبة الاقتراع عند الظهر إلى 25 في المئة، لامست الـ44 في المئة عند الرابعة بعد الظهر.

مختلف فرقاء المعركة البلدية اتهموا بعضهم البعض باستقدام أبناء جزين من بيروت للاقتراع لصالحهم، والرد على هذا الاتهام الموحّد كان واحداً عند الجميع أيضاً: «وكأنّ مَن يسكنون بيروت وأتوا ليقترعوا ليسوا من جزين؟!».

وخلال جولة «الجمهورية»، التقينا عدداً من «الجزّينيين» الآتين من بيروت، الذين لا يعرفون المنطقة جيداً، حيث استدلّوا على مراكز الاقتراع أو منازل المرشحين أو الطريق. وعلى رغم الاتهامات والاتهامات المضادة، انتخب «الجزّيني» وسط أجواء هادئة على عكس المناخ الحار، واختار أهل جزين مجلسهم البلدي بعملية انتخابية ديمقراطية.