في الوقت الذي لا تزال تتردّد فيه أصداء الجولة الثانية من الإنتخابات البلدية والإختيارية في جبل لبنان، باشرت أوساط نيابية في فريق 14 آذار بعملية استشراف ملامح تموضع جديد للقوى التي لعبت أدواراً بارزة في هذا الإستحقاق في شارعها السياسي والطائفي، إضافة إلى رسم أفق المرحلة المقبلة على مستوى الإصطفافات على الساحة المحلية من جهة، كما على صعيد التحوّلات في الجبهة الداخلية لفريق 14 آذار. وإذ أقرّت هذه الأوساط أن النتائج التي تحقّقت بعد المرحلتين الأولى والثانية من الإنتخابات البلدية، قد فتحت باباً جديداً لمقاربة الإستحقاقات الدستورية الأخرى كانتخابات رئاسة الجمهورية أولاً، والمجلس النيابي ثانياً، اعتبرت أنه بعض سقوط ذريعة الأمن المفقود على مدى الأعوام الماضية، وذلك بنتيجة الأجواء الهادئة التي رافقت العملية الإنتخابية بشكل خاص في عرسال، وبعد تجاوز عقبة الإئتلاف الذي تم بين الخصوم في انتخابات بيروت، فإن الطريق باتت سالكة أمام كل القوى السياسية للانخراط في العملية الديمقراطية الداخلية والعودة إلى المؤسّسات وإلى تطبيق الدستور.
وأكدت هذه الأوساط، أن أي مقاربة لن تكون ممكنة إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية، والعمل بعد طي صفحة الإستحقاق البلدي، إلى تأمين الظروف الملائمة لإرساء تسوية تسمح بإنجاز الإستحقاق الرئاسي، ثم الإنتقال إلى التحضير للإنتخابات النيابية.
وتأتي انعكاسات نتائج انتخابات بيروت وزحلة وجبل لبنان، ملائمة بشكل تام لرسم معادلات سياسية جديدة في 14 آذار، وبشكل خاص في الشارع المسيحي، وذلك بعدما بدا واضحاً، وكما لاحظت الأوساط نفسها، أن التفاهم المسيحي في معراب قد أثبت أنه قادر على قلب المعادلات القائمة منذ سنوات، وإن كان «التحالف الثنائي المسيحي» قد خسر في بعض المناطق وربح في مناطق أخرى، وتنافس في أكثر من بلدة ومدينة في جبل لبنان بشكل محدد.
ومن هنا، فقد توقّعت الأوساط النيابية ذاتها، أن يحضر الإستحقاق الإنتخابي البلدي بشكل قوي في كل الملفات الداخلية، وأن تؤثّر نتائجه في عملية خلط الأوراق التي بدأت مع بدء تركيب اللوائح. وأضافت أن كل القوى السياسية، ولا سيما أركان الحوار الوطني، سوف يأخذون بالإعتبار في تحرّكاتهم المقبلة، النتائج المفاجئة التي ظهرت في الشارع المسيحي، خصوصاً في بيروت وزحلة، والتي صبّت كلها في مصلحة التحالف بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر». وأكدت أن عملية إرساء التحالفات السياسية والحزبية في الإنتخابات النيابية المقبلة، سيرتكز بالدرجة الأولى على حسابات الربح والخسارة، خاصة في البقاع والجبل وبيروت وكسروان، وسيدفع باتجاه إرساء تسويات مختلفة عن تلك التي سُجّلت خلال الإستحقاقات النيابية الأخيرة.
وفي هذا الإطار، كشفت الأوساط النيابية في قوى 14 آذار، أن المرحلة المقبلة ستلحظ تحوّلات بارزة في الخطاب السياسي العام، إذ توقّعت تجدّد الحملات ضد «تفاهم معراب»، وذلك في سياق الضغط للتخفيف من قوته التي كرّستها المواجهات البلدية الأخيرة.