فتح وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسّام مولوي الباب واسعاً أمام إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها ما شكّل إرباكاً لمعظم القوى السياسية التي لم تصحُ بعد من غيبوبة نتائج الإنتخابات النيابية.
في بلد مثل لبنان، تشكّل الإنتخابات البلدية والإختيارية الإستحقاق الأصعب للقوى السياسية والحزبية العابرة لحدود الأقضية والمحافظات، وترتاح القوى المحلية التقليدية لاستحقاق كهذا لأنّها بالأساس بنت زعامتها السياسية على أساس عائليّ وينحصر اهتمامها بمنطقتها الضيقة فقط، في حين أنّ الأحزاب والتيارات الكبرى تضطرّ لخوض غمار المعركة في الأقضية والمحافظات كلّها المتواجدة فيها.
لا شكّ أن «التيار الوطني الحرّ» كان الخاسر الأكبر بين القوى السياسية خلال العام 2022، فمن جهة تصدّر غريمه التقليدي أي حزب «القوات اللبنانية» الشارع المسيحي، ومن جهة أخرى خرج العماد ميشال عون من قصر بعبدا، وبالتالي فقد أهم مركز سلطة.
ولا حاجة للتذكير بأنّ إنتخابات لبنان النيابية كانت في كفّة وانتخابات البترون ودائرة الشمال الثالثة كانت في كفّة أخرى، واستشرس باسيل في معركة البترون لأنّ مقعده كان مهدّداً. وإذا كان باسيل قد ربح مقعداً نيابياً إلّا أنّ الأرقام كانت صادمة في منطقته، إذ حلّت «القوات» أولى وحلّ هو شخصياً ثانياً واحتلّ المرشح مجد حرب المركز الثالث، وبالتالي فإنّ أي تحالف بين «القوات» وحرب في المرحلة المقبلة قد يطيح بباسيل.
وباتت الإنتخابات البلدية والإختيارية الإستحقاق الأقرب إذا سارت الأمور كما يخطط لها وزير الداخلية، وفي هذا الإستحقاق ستكشف الأوراق كلّها، فصحيح أنّ للإنتخابات طابعاً محلياً وعائلياً إلّا أنّ العامل السياسي يبقى الأقوى في البترون، القضاء الذي يُعتبر الأكثر تسييساً.
خاض باسيل إنتخابات 2016 البلدية متحالفاً مع «القوات» تحت شعار «أوعا خيّك»، ونجح في حصد رئاسة إتحاد بلديات البترون لرئيس بلدية مدينة البترون مرسيلينو الحرك الذي حصل على 14 صوتاً مقابل 10 أصوات للرئيس السابق للاتحاد ورئيس بلدية كفرعبيدا طنوس الفغالي المدعوم من حزب «الكتائب» والوزير بطرس حرب.
لكن ربيع 2023 مغاير تماماً لربيع 2016، يومها إستغلّ باسيل تحالفه مع «القوات» وانقلب عليه لاحقاً وحصد رئاسة الاتحاد، أمّا اليوم فإنّ رئيس «التيار الوطني» أمام إستحقاق جدّي خصوصاً إذا خسر رئاسة إتحاد قضائه. ويراقب باسيل القوى السياسية، ويرى أن «القوات» تحصد معظم بلديات بشري واتحادها، في حين أنّ الرئيس نبيه بري يحصد بلديات الزهراني والمحيط والإتحادات، وكذلك الأمر لكل أقضية نفوذ «الثنائي الشيعي»، والأمر نفسه ينطبق على رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط في الجبل، والرئيس سعد الحريري في المناطق السنية قبل اعتكافه.
إذاً، فإنّ خسارة باسيل في بلديات البترون ورئاسة إتحادها تعتبر ضربة قوية في عقر داره، ويكشف المتابعون للشأن البتروني والسياسي أنّ هناك تقارباً كبيراً حاصلاً بين «القوات» والمحامي مجد حرب قد يثمر تحالفاً في عدد من البلدات. وإذا حصل مثل هذا التحالف، فإنّه بإمكان هاتين القوتين إكتساح بلديات جرود البترون إنطلاقاً من تنورين كبرى البلدات من دون منافسة تذكر، في حين أنّ المعركة ستكون أسهل إذا استكمل تحالف «القوات» وحرب بتحالف مع «الكتائب اللبنانية» في بلدات الوسط والساحل، عندها يصبح الفوز ممكناً في بلديات وبلدات كانت تعتبر عونية وباسيلية لتُستكمل المعركة على رئاسة الإتحاد.
صحيح أنّ العامل المحلي والعائلي يلعب لعبته، لكن إدارة المعركة البترونية من قبل القوى المعارضة بشكل صحيح بعيداً عن الحساسيات ستضع باسيل في وضع لا يُحسد عليه، وقد تنجح هذه القوى في خوض معركة في مدينة البترون بالذات لأنّ نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة أظهرت تراجعاً كبيراً لشعبية باسيل في مدينته.
وما سيساعد القوى المعارضة أكثر هو أنّ الإنتخابات ستجرى وفق القانون الأكثري لا النسبي، وهنا سيبرز التفوّق الكبير «للقوى السيادية» في البترون، ما سيفقد باسيل أحد أهم الأسلحة التي كانت في جيبه وهي البلديات ورئاسة إتحادها، في حين أنّ علاقته مع تيار «المرده» سيئة جداً ولم تتحسن ما يعني أنّ الضربة التي سيتلقاها ستكون موجعة في عقر داره.