مع كل تدهور جديد للوضع الاقتصادي يخرج من ينتقد “الثوار” وعدم نزولهم إلى الشارع بعد أن اشعلوا “ثورة” من أجل بعضت سنتات فُرضت ضريبة على الواتساب، بينما يتعرض هؤلاء لانتقادات لا تقل غرابة عندما يعودون الى الشارع، هذه المرة بحجة عدم قدرة البلاد على تحمل الخضات!
يسخر أحد قياديي التحركات من المنتقدين وغالبيتهم من محازبي السلطة، سائلاً: وهل نحن نعمل لدى هؤلاء؟ ثم من أوصل البلد الى هذا الحال من الإنهيار سوى تلك الأحزاب؟
يمكن إضافة سؤال آخر إلى هذين السؤالين: لماذا لم تتحرك أحزاب السلطة كما تحرك “ثوار السفارات”؟
والحال أن مجموعات 17 تشرين أدلت بدلوها في مقارعة السلطة، نجحت في كسر حاجز الصمت حيناً وفشلت في استحقاقات كثيرة أحياناً، في مسار طويل جداً لعشرات السنوات ضد منظومة ضاربة في الدولة العميقة، لكن هذا المجموعات نفسها لا يبدو أنها ستعود الى الشارع، وبعضها لم يكن متحمسا أصلا للنزول الاربعاء الماضي ولم تزده نزلة الشارع سوى قناعة بأن النضال طويل ويتطلب أشكالا متعددة على رأسها التنظيم ووحدة البرنامج.
يشير القيادي في “الثورة” الى أن الغالبية الساحقة من الناس وفيهم كثير من مؤيدي السلطة، تؤيد ما يخرج به الثوار لكن تُحركها المصالح. فمنها من ترك ساحة النضال ليلتحق من جديد بالاحزاب وبعضها تم ربطه بمساعدات “إعاشات” وسط الضائقة الاجتماعية والمادية وبات على قناعة بأن حياته اليومية تعتمد على السلطة وهو غير مستعد للمخاطرة بهذا الفتات خاصة أن لا بديل في الأفق.
وجزء كبير اعتراه اليأس بأن لا زحزحة للمنظومة التي أعطتها الانتخابات شرعية جديدة، بات يلتفت إلى قضاياه الصغيرة وهمومه اليومية.
“أنانية” المتقاعدين العسكريين
ما زال الجزء الوازن، سواء في النضال العلني أو المخفي، مقتنعا بأن النضال طويل والمنظومة سوف تتآكل مع الوقت ويجب الصبر.. وبعد الانقسامات التي اعترت التحرك الأخير أمام السرايا الحكومي لا سيما “أنانية” المتحركين تحت عنوان المتقاعدين العسكريين وفوقيتهم وهم الذين يريدون مفاوضة السلطة على مكتسبات ليست قادرة أصلا على تقديمها، من دون الرغبة في إسقاط تلك السلطة، عادت المجموعات الحراكية أدراجها وستترك الساحة لمن ليس جدياً في النضال ضد المنظومة.
أما الخطة المستقبلية فستكون في تشكيل جبهة تكبر مع الوقت وقد تصبح حزباً الأمر الذي ما زال في إطار الفكرة.
ومن دون أي وهم حول سقوط قريب للمنظومة إلا ان الاساس في العمل على أحزاب عابرة للطوائف والمناطق تملأ أي فراغ مستقبلي في السلطة ومن المعروف بأن أي نضال سياسي هدفه الوصول الى الحكم في النهاية.
نقاشات متعددة تحضر بين مختلفين ضمن المجموعات فمنهم راديكاليو شعار “كلن يعني كلن”، ومنهم من يقبل بحلف مع أحزاب معارضة حتى لو مرت يوما على المنظومة، ومنهم من يُعلي الشأن الاقتصادي وينتقد كل من يقبل بالتعامل الأعمى مع “صندوق النقد الدولي” حتى لو كان ضمن التغييريين، ومنهم من هو على يمين “الثورة”..
الهدف الأكثر واقعية هو تشكيل ائتلاف عام حزبي ومجتمعي من دون حسم ماهية هذا الكيان الذي سينشأ. وفي الطريق ثمة شبه إجماع (مؤسف) على التقييم السلبي لتجربة التغييريين في البرلمان بما يختزن ظلماً كبيراً للنواب الذي جاؤوا من رحم 17 تشرين وهم بدورهم غير بعيدين عن النقد، ويسأل قيادي في الحراك: ما كان المتوقع منهم؟ أليس من المبالغة تحميلهم أكثر من طاقتهم؟ انطلاقا من الملاحظات على الأداء والخلافات ثمة اتفاق على ان تجربة التغييريين ليست تشرينية بالمعنى الحقيقي. فكل نائب فيهم يلجأ الى مخاطبة جمهور منطقته.
وثمة عمل من قبل نواب مثل بولا يعقوبيان وحليمة قعقور وإبراهيم منيمنة مع أحزاب ومجموعات مثل “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” و”الكتلة الوطنية”، لتشكيل كتلة تشرينية موحدة تعمل على هذه الجبهة المنوي تشكيلها.
“الدولة المقاوِمة”
وثمة تقييم إيجابي من قبل كثيرين في الحراك لمواقف نواب مستقلين مثل نائبي صيدا نزيه البزري وأسامة سعد على سبيل المثال لا الحصر، حول “الدولة المقاوِمة” ما قد يتجه نحو المطالبة ببسط سلطة الدولة واعتماد استراتيجة دفاعية وطرح أسئلة حول موضوع السلاح، وهي مواقف لقت صدى عند احزاب مقاومة تاريخياً دخلت 17 تشرين بقوة مثل الحزب الشيوعي الذي يدعو إلى مقاومة لبنانية وليس مقاومة الحزب الواحد..
في كل الأحوال ثمة نقاش لورقة سياسية ويطرح بعض الأحزاب مثل “لنا” تعديلات تطويرية للانتقال من ورقة مبادىء اقتصادية ودولة القانون لتصبح ورقة سياسية تقارب الانتقال الى الدولة المنشودة.
تحضير للانتخابات البلدية
في هذه الأثناء يعمل بعض المجموعات في أكثر من منطقة (كما في الجنوب) على مقاربة موحدة لخوض الانتخابات البلدية في حال حصلت، سواء عبر تشكيل اللوائح أو عبر دعم لوائح موجودة أو عبر تطوير برامج انتخابية، في موضوع انتخابي تنموي يحمل حساسية عائلية. في مقابل وجهة نظر تطرح في الأصل جدوى خوض هذا الاستحقاق كون البلديات مفلسة وسيكون تسلمها من قبل التغييريين، في حال أي فوز، غرقاً في المستنقع!