لم يعد اللبنانيون يخشون تأجيل الانتخابات البلدية، بعد حالة تشكيك دامت أشهرا طويلة، على قاعدة ان كل موعد انتخابي في لبنان يبقى يترجّح بين تأكيد حصوله والتشكيك في ذلك. فقد اعتاد اللبنانيون مشهد التأجيل المتكرر، بعدما تكرر التمديد للمجلس النيابي وفشل إتمام الاستحقاق الرئاسي لأكثر من عامين، حتلى وصل الامر بلبنان الى جمود قاتل في المؤسسات الدستورية الاساسية، مما حدا ببعض الديبلوماسيين الغربيين على وصفه بالدولة الآيلة الى الفشل.
في الانتخابات البلدية، تخشى القوى السياسية الكبرى أن يأتي الاستحقاق بمؤشرات سلبية تهزّ “العروش” القائمة هنا وهناك. ولكن القوى نفسها التي كان يخشى أن تحاول التهرب من الاستحقاق البلدي، تريد من خلاله أن تختبر قوتها على الارض، وتطوّر واقعها الشعبي بعدما طال غياب الانتخابات النيابية. لذلك تحاول القوى الاساسية في البلد أن تخوض الانتخابات معتبرة إياها مختبرا واقعيا لما آلت اليه قواها على الارض، وخصوصا أن الانتخابات النيابية المقررة حسب التمديد الاخير لمجلس النواب الحالي، ستحصل بعد نحو عام. والحال أن تأجيل الانتخابات البلدية لسنة ٢٠١٧ صار صعبا للغاية، وما عاد من السهل هضم أي محاولة لتأجيلها ولو لعام آخر!
في المقابل، هناك من يقول ان عدم اتمام الاستحقاق الرئاسي حتى ربيع ٢٠١٧، سيشكل ذريعة لتأجيل الانتخابات النيابية مرة جديدة، على قاعدة ان المجلس الحالي وحده تقبل جميع القوى السياسية الكبرى (ما عدا التيار الوطني الحر) ان ينتخب الرئيس المقبل. من هنا الخشية ان يؤدي تمديد الشغور الرئاسي الى تمديد تلقائي لمجلس النواب الحالي!
وبالعودة الى الانتخابات البلدية التي تنطلق عمليات الاقتراع فيها الاحد المقبل، لا بد من القول ان نكهتها المحلية يجب ان تتغلب هذه المرة على نكهتها السياسية. فعدم التزام التعليمات الحزبية في دعم هذه اللائحة او تلك لا يعني ان الامر سينسحب على الانتخابات النيابية المقبلة. ونحن نقول اكثر من ذلك، فلينتخب المواطنون خارج القيد السياسي او الحزبي لمن يرونه مناسبا في المجالس البلدية. وكنا وددنا لو ان الاحزاب الكبرى نأت بنفسها عن الانتخابات البلدية تاركة للناخبين حرية أكبر في عملية الاقتراع. ولكن الواقع يشير الى ان الاحزاب الكبرى في كل مكان تعمل بكل طاقتها للهيمنة على الانتخابات البلدية، وكأنها انتخابات نيابية، معللة الامر بكون الاستحقاق البلدي هو “بروفة” للاستحقاق النيابي الذي يخافه الجميع في كل مكان، مهما كابروا.
من المؤسف حقا أن تطغى السياسة بمعناها الحزبي الضيق على الانتخابات البلدية في معظم المدن والبلدات، مما سيؤدي الى محاصرة البعد الانمائي والاجتماعي والاقتصادي والمحلي للانتخابات.
ومع ذلك نقول ان مجرد حصول الانتخابات سيكون في ذاته مكسبا، في بلد تكاد تصير مواعيده الانتخابية ضربا من ضروب الخيال!