Site icon IMLebanon

ليس بالـ10 ملايين دولار وحدها تُجرى الإنتخابات البلدية

 

قامت لجنة المال والموازنة بواجباتها فدرست الموازنة وما يترتّب عليها من تحسين الواردات وحصر النفقات. وإذا كان البحث في سدّ عجز الدولة وتأمين الواردات بوقف التهرّب الضريبي، إلا أنّ هناك تهرّباً من نوع آخر يمارسه بعض أطراف السلطة، ويتلخّص بالتهرّب من إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية.

 

ترهّلت المجالس البلدية وهرمت، وهناك أكثر من 12 في المئة منها مستقيلة، وعدا الاستقالات هناك رؤساء بلديات استنزفوا بسبب انهيار الدولة وتحتاج مجالسهم البلدية إلى تجديد.

 

في المبدأ، مدّد مجلس النواب للمجالس البلدية والاختيارية حتى تاريخ 31 أيار 2024، وأمل الجميع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وانطلاق ورشة الإصلاح واحترام المواعيد الدستورية، وما حصل هو عدم احترام تلك المواعيد بدءاً بالاستحقاق الرئاسي… وطبعاً الفراغات والانهيارات تتمدّد.

 

وأول المؤشرات على عدم رغبة السلطة الحاكمة في إجراء انتخابات بلدية واختيارية هو مشروع الموازنة، فقد وصل إلى لجنة المال والموازنة من دون رصد اعتمادات لوزارة الداخلية من أجل إجراء الانتخابات البلدية، وبعد مناقشات حادّة في اللجنة، طرح عدد من النواب من جميع الأطراف ضرورة رصد المبلغ الكافي لإجراء الانتخابات، عندها تمّ اعتماد مبلغ 10 ملايين دولار أميركي من احتياط الموازنة لإتمام العملية. وبعد هذه الإضافة، يطرح السؤال: هل هذا الأمر كافٍ لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في أيار المقبل؟

 

بعد الإطلاع على كل الخلفيات والوقائع والمعلومات وما يمكن أن تذهب إليه الأمور، هناك جواب واضح وهو أنّ إقرار لجنة المال والموازنة المبلغ لا يعني حكماً إجراء الإنتخابات.

 

أما الأسباب الداعية للتشاؤم فتتوزّع بين تقنية وغير تقنية، فاللجنة أقرّت الموازنة مجتمعة، ومن ضمنها موازنة الانتخابات، وينصّ الدستور على الذهاب إلى الهيئة العمومية لمجلس النواب لإقرار الموازنة، والمهلة المتاحة هي شهر كانون الثاني.

 

وليس متاحاً إقرار الموازنة في مجلس النواب إذا قرّرت الكتل النيابية التي ترفض التشريع في ظل غياب رئيس للجمهورية مقاطعة الجلسات، عندها وبعد انتهاء شهر كانون الثاني، تستطيع حكومة تصريف الأعمال إقرارها في جلسة لمجلس الوزراء، واللافت أنّ الحكومة تستطيع إقرارها دون الأخذ بتعديلات لجنة المال والموازنة، أي أن تقرّ النسخة الأصلية التي أرسلتها إلى المال والموازنة، وهذه النسخة لا تلحظ رصد اعتمادات لوزارة الداخلية لإجراء الانتخابات.

 

ويتبيّن من خلال هذه الخطوات أنّ العوائق التي تقف في وجه إجراء الانتخابات هي سياسية أيضاً، وليست مالية فقط، فلو كان هناك قرار من السلطة بإجراء الانتخابات لكانت لحَظتها في الموازنة، ووسط غياب هذا القرار، وبما أنّ الطابة ستنتقل إلى ملعب حكومة تصريف الأعمال، فقد تتغاضى عن إقرار هذا البند أو تقرّه لتفادي الإحراج، ومن ثمّ لا تنفّذه.

 

إذاً، ليس هناك قرار سياسي يقضي بإجراء الانتخابات، وتفضّل قوى السلطة الابتعاد عن تجرّع هذه الكأس نظراً للحساسيات التي تحدثها في المدن والقرى. ولم يطلق وزير الداخلية بسام مولوي التحضيرات أو يعلن النية في إجراء الانتخابات ولو شكلياً.

 

وإذا سقطت الحجّة المادية للسلطة، هناك حجة أقوى وأكثر تعقيداً تستطيع اللجوء إليها، وهي الوضع الأمني المتردّي، وقد ترفع السلطة راية عدم القدرة على إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في منطقة الشريط الحدودي وجنوب الليطاني بسبب الحرب الدائرة هناك، وأيضاً بسبب تهديد الأمن في كل لبنان، خصوصاً بعد الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية واغتيال القيادي في حركة «حماس» صالح العاروري.

 

لكن حتى هذه الحجة غير واقعية للسلطة، لأنّ الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية جرت في كل لبنان، ومن ضمنه الجنوب تحت الاحتلال الإسرائيلي، ففي عامي 1992 و1996 كان الشريط الحدودي تحت الاحتلال وجرت الانتخابات في كل لبنان، وعام 1998 جرت الانتخابات البلدية والاختيارية والشريط الحدودي تحت الاحتلال، وبالتالي تستطيع السلطة تأجيل الانتخابات في عدد من القرى الحدودية إذا كانت هناك مخاوف أمنية، بينما في استطاعتها إجراءها في كل لبنان، ولا سيّما الجنوب.

 

وأمام كل هذه الوقائع، يتّضح وجود قرار بإجراء تمديد ثانٍ للبلديات والمخاتير، إلا إذا ارتفع منسوب الضغط الداخلي وترافق بضغط خارجي لعدم التمديد، مع ملاحظة أساسية وهي تمتُّع حكومة تصريف الأعمال بصلاحية إجراء الانتخابات في ظل غياب الرئيس، وذلك لتأمين استمرارية المرافق العامة واحترام المواعيد الدستورية.