Site icon IMLebanon

الإنتخابات البلدية “شرّ”… ستُبعده المنظومة قدر الإمكان

 

تسعى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى السير جنب حائط الشروط الدولية التي تحيط بها من كل الجوانب. هي فعلاً موضع اختبار دائم، في كل خطوة ستقوم بها وفي كل قرار ستتخذه. يكاد يكون هامش التفلت المتاح أمامها، ضيّقاً للغاية: فإمّا تلتزم بما هو مطلوب منها، وإمّا سيُحكم عليها بالفشل القاتل الذي سيجرّ فوضى عارمة قد تطيح كلَّ شيء.

 

الاستحقاق النيابي واحد من الشروط الخارجية والتي سيصعب على التركيبة الحاكمة الهروب من أحكامها، حتى لو قضت مصلحتها بتأجيل الانتخابات بعض الشيء، لكن خطابات المزايدات الشعبية من جهة والضغط الخارجي من جهة أخرى، قد يفرضان ما لا تريد المنظومة الحاكمة أن تقوم به لتواجه صناديق الاقتراع في واحدة من أصعب اللحظات السياسية وأكثرها حراجة.

 

وها هو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يعلن بالفم الملآن أنّ حكومته ستعمل على تنظيم الانتخابات النيابية ضارباً موعداً جديداً، غير ذلك الذي كان يعمل عليه وزير الداخلية السابق محمد فهمي، مشيراً إلى أنّ الانتخابات ستجرى في 27 آذار المقبل، أي بعد أقل من ستة أشهر، في حين أشار إلى تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية المفترض اجراؤها في الربيع المقبل.

 

وبناء على اصرار الحكومة، أعلنت وزارة الخارجية عن انطلاق موعد تسجيل غير المقيمين الراغبين في المشاركة في الانتخابات في دول الاغتراب، بعد وضع المنصة الالكترونية التي ستستقبل الطلبات… مع العلم أنّ استعداد الحكومة للقيام بواجباتها لا يلغي أبداً فرضية تأجيل الانتخابات برمتها، أو حتى بشقها الخارجي، ولو أنّ هناك شبه إجماع على تعليق البند المتعلق بإضافة ستة مقاعد تمثّل المغتربين اللبنانيين.

 

ولكن لماذا الإعلان سريعاً عن تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية؟

 

من الطبيعي أن تسارع التركيبة الحاكمة، حتى لو نفض بعض مكوناتها، وكعادته، يديْه منها (“التيار الوطني الحرّ”) إلى ترحيل تلك الانتخابات، نظراً لما تشكّله من تحدٍ صعب ومعقد بالنسبة للأحزاب والتيارات السياسية. فالغرق في متاهة الخلافات التي تسببها الصراعات المحلية والتنافس بين أبناء العائلات الواحدة والصفّ الواحد، هو بمثابة حكم بالإعدام لأي فريق يحاول أن ينخرط فيه بالعمق.

 

اذ لم تنس الأحزاب والتيارات السياسية بعد الأكلاف التي تكبدتها منذ ست سنوات جراء الاشكالات التي فرزها التنافس حول مقاعد المجالس البلدية والاختيارية، بين مناصريها وناسها والمحسوبين عليها، بشكل قد ضرب صفوف كل الأحزاب التي تحولت إلى أجنحة متكسرة بفعل الخلافات التي تصيب الدائرين في فلكها. ولو حاولت تلك الأحزاب والمجموعات اللعب على وتر الحياد والتوفيق بين المتخاصمين لتركيب لوائح تفاهمية، فإنّ هذه المهمة تحتاج إلى جهود جبارة ومضنية وقد لا تثمر في نهاية المطاف.

 

فضلاً عن ذلك، فإنّ هذه الاحزاب قد تضطر لمواجهة الاستحقاق النيابي خلال أشهر معدودة وهي ستحتاج إلى المفاتيح المحلية لتزخيم قواعدها الجماهيرية وحضورها المناطقي، حيث تشكل البلديات احدى أبرز عناوينها، وبالتالي ليس من مصلحتها التفريط بهذا “الكنز” عشية بدء الحملات الانتخابية، وترك كبار المفاتيح يغرقون في مستنقع التنافس على المقاعد البلدية والاختيارية والتركيز على حملاتهم الشخصية.

 

وبالتالي، سواء قُدّر لهذه الحكومة أن تتمتع بالقدرات التقنية واللوجستية التي تمكنها من اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بالتزامن مع الانتخابات النيابية، وهي فرضية شبه مستحيلة في ظلّ حالة العجز المالي التي تضرب الخزينة العامة، فإنّه ليس من مصلحة القوى السياسية أن تفتح “وكر دبابير” الانتخابات المحلية، التي ستحوّل قواعدها الحزبية والمسيّسة إلى حلبات مصارعة لن توفّر أي عنصر من عناصرها. وعليه، فلتُرحّل الانتخابات البلدية والاختيارية ولتترك مفاتيحها النيابية مرتاحة البال، أقله لتمرير قطوع الاستحقاق النيابي، ومن بعدها لكلّ حادث حديث.