فيما يتمنّى اللبنانيون إزاحة شبح الحرب وويلاتها وتجدّد فصولها، يتوقون في المقابل إلى معارك من نوع آخر، إلى حروب ضرورية، يؤدّي عدم نشوبها أو احترام مواقيتها إلى خرابٍ وخللٍ في انتظام الحياة العامّة. وأجمل تلك المُنازلات، هي الانتخابات البلدية والاختيارية. فـ “الـريّس” كما يقال “ع اللبناني” هو من أقدم المسؤولين في لبنان، إذ يعود وجوده، إلى العام 1846 مع تأسيس أول بلدية (دير القمر) في الشرق الأوسط. وعندما غنّت فيروز ونصري شمس الدين لرئيس البلدية في مسرحية “المحطة” على خشبة “قصر البيكاديلّي” عام 1973، لم يكن بعض دول المنطقة، قد ألف هذا النوع من السلطة المحلية.
بعد تأخير دام ثلاث سنوات بسبب تسلّل لعنة التعطيل إليها، تعود الانتخابات البلدية، مُحمّلة هذه المرّة بتحدّيات وصعوبات مالية وسياسية وإنمائية أكبر من تلك التي رافقتها عام 2016. وبالتالي، تحتاج إلى أدوات ومقاربات مختلفة. فالمقولة الشعبية إن “البلدية هي رئيس وبوليس” لا تُحاكي العمل البلدي الحديث، والمسألة أبعد من تحالفات عائلية أو حزبية. إذاً، ما الذي يحتاجه المرشحون والمرشحات لممارسة مهامهم وتحقيق نجاحهم؟
بينما تُحَمّي الماكينات الانتخابية محرّكاتها الضرورية والمشروعة، وتجول بين شوارع المدن وأزقّة القرى، نُسلّط الضوء على جانب آخر مهمّ وعميقٍ، مع المدرّب في فنّ القيادة السياسية وتغيير السلوك ميشال الدكّاش، الذي ابتكر للمرّة الأولى في لبنان والمنطقة مع فريق مؤلّف من مستشارين وخبراء سياسيين وعلماء نفس ومحامين، برنامجاً تدريبيّاً اسمه “المرشّح/ة”. واللافت في هذا الإطار، أن هذه الفكرة هي صنيعة لبنانية 100 % (غير مستنسخة من برامج غربية)، تُحافظ على خصوصيات المجتمع اللبناني وقيمه.
يشرح الدكّاش أنّ البرنامج يهدف إلى تزويد المرشحين والمرشحات بالمعارف والمهارات القيادية والإدارية والقانونية اللازمة لإدارة حملات انتخابية فعّالة، وبناء شخصيتهم القيادية وتعزيز دورهم في التنمية المحلية.
والنقطة الأساسية التي يعالجها البرنامج هي “التقييم الذاتي”، بالتعاون مع شركة Stewart Leadership العالمية، التي تعمل على تطوير قدرات الأفراد والمؤسسات، حيث يختبر المرشحون “أونلاين” عبر موقع almourachah.org نقاط قوتهم وتطويرها كما نقاط ضعفهم وكيفية معالجتها على المستويين القيادي والإداري.
وأشار الدكّاش إلى أن “نسبة المسجّلين كانت مُفاجئة بالنسبة إلينا، وينتمون إلى مختلف الفئات العمرية وهذا مؤشّر إيجابي”. أضاف “أننا أمام خمسة أجيال تتنافس في ما بينها، أكانت داخل العائلات أو الأحزاب أو المؤسسات، ولكل جيل مقاربته ومعاييره الخاصة، وبالتالي إن التحدّي الأكبر أمام المرشّح/ة، هو كيفية التعامل مع هذه الفئات المختلفة بأفكارها وذهنياتها، من أجل استقطابها ومخاطبتها. لذلك، يطرح البرنامج هذه الإشكالية ويُعالجها بطريقة علمية”.
أمّا المسألة الأهم التي تُقلق المجالس البلديّة وسط هذا الانهيار الاقتصادي الذي أفرغ صناديقها فهي المشاريع الإنمائية. غير أنّ القيادي ميشال الدكّاش لديه نظرة مختلفة، فيقول إنّ “الصعوبات المالية ضربت كل القرى والبلدات من دون استثناء، لكنّ السؤال، لماذا هناك بلديات نجحت وأخرى فشلت؟”.
يعتبر الدكّاش، أنّ “ما ينقص العديد من الطامحين إلى السلطة المحليّة هو مقاربتهم العمل البلدي بذهنية حديثة ترتكز على عنصري القيادة والإدارة من جهة، والتشبيك مع الجهات المانحة من جهة أخرى، وهذه نقطة جوهرية ومهمّة جدّاً، لأنّ الاتكال على صناديق البلديات أو الدولة فقط لم يعد يتناسب مع مفهوم التنمية الحديث. لذا، يُعلّم برنامج التدريب، المرشحين: أين يبحثون عن الجهات المانحة وكيف يُشَبّكون معها وكيف يطرحون مشاريعهم للحصول على التمويل اللازم”. أضاف “لدينا في هذا المجال أمثلة عدة عن بلدات صغيرة ليس لديها رجال أعمال أو مصانع أو مداخيل محليّة تُذكر، لكنها تمكّنت من تحقيق التنمية ومواجهة الصعوبات المالية”.
وختم الدكّاش مشدّداً على أن هذا البرنامج هو طويل الأمد ويطول كل المجالات المتعلّقة بالشأن العام. ولفت إلى أنّ هذه الفكرة اللبنانية الصُنع، جذبت ناشطين من دول المنطقة، كالمغرب مثلاً، حيث تواصلوا معنا وأبدوا حماستهم للتعاون ونقل هذه الخبرات إلى مجتمعهم.