يوم وقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمام مجلس النواب طالباً الثقة لحكومته، كان يدرك هو والجالسون الى طاولته، من قوى سياسية، أنّ الانتخابات النيابية قد تكون شرّاً لا بدّ منه، لكن الانتخابات البلدية والاختيارية شرّ يمكن التخلّص منه، أو ترحيل تجرّع كأسه لبعض الوقت. وهذا فعلاً ما يحصل.
يومها أعلن ميقاتي في بيانه الوزاري أنّه «تأكيداً على حُسن سير العملية الديموقراطيّة في لبنان، وإيماناً منها بأنّ خطوة الإنقاذ الأساسيّة تبدأ في ترجمة إرادة الناخبين في إختيار مُمثليهم، تؤكّد الحكومة التزامها إجراء الإنتخابات النيابيّة في موعدها كما وإجراء الانتخابات البلدية والإختيارية على أن تُباشر وفور نيلها الثقة، باتخاذ كُل الإجراءات التي ينصّ عليها القانون الذي يُنظّم عملية الإنتخاب لإتمامها بكُل نزاهة وشفافية وتوفير السُبل كافة لنجاحها».
اذ سيكون تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية بنداً أساسياً على جدول أعمال مجلس الوزراء الذي سيعقد اليوم برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، بناء على مشروع قانون سيتقدّم به وزير الداخلية بسام مولوي يقضي بتمديد ولايات ما تبقى من مجالس بلدية واختيارية لمدّة سنة، أي حتى ربيع العام 2023.
الحجّة الموضوعة على الطاولة هي الافتقاد إلى العدّة اللوجستية التي تسمح بإتمام الاستحقاق البلدي والاختياري في زمانه، خصوصاً وأنّ اجراء الانتخابات النيابية يدفع الحكومة إلى اعتماد سياسة «التسوّل» لكي تتمكن من تمويل العملية الانتخابية المنتظرة في 15 أيار المقبل. ولدى السلطة التنفيذية رزمة من المعوقات الإدارية والمالية التي تتيح لها تأجيل الانتخابات البلدية من دون أن يرفّ لها جفن. ولعل أول تلك الاعتبارات هو الحرص على عدم تزامن الاستحقاقات الدستورية مع بعضها البعض، لذا ستؤجل «البلدية» إلى العام 2023، لتكون في الدورة المقبلة في العام 2029 بحيث لا تتزامن أبداً مع الاستحقاق النيابي.
والأرجح أنّ هذه المسألة قد تكون من القضايا النادرة التي لا تختلف حولها القوى السياسية، على تنوّع توجهاتها، أي تلك الموالية وتلك المعارضة. جميعها يخشى دخول «مغارة» الخلافات التي تثيرها الانتخابات البلدية والإختيارية والتي من شأنها أن تمزّق القواعد الشعبية، وسيكون ذلك بمثابة فتح صندوق Pandora الذي سيُخرج من عجائب الخلافات ما يطيح بجهود الأحزاب طوال الأشهر الماضية، وسيكون قرار الانخراط في هذا المستنقع عشية الانتخابات النيابية بمثابة انتحار جماعي تمارسه القوى السياسية في ما لو قررت المجازفة وخوض الانتخابات البلدية في هذا التوقيت بالذات.
اذ لم تنس الأحزاب والتيارات السياسية بعد الأكلاف التي تكبدتها منذ ست سنوات جراء الاشكالات التي فرزها التنافس حول مقاعد المجالس البلدية والاختيارية، بين مناصريها وناسها والمحسوبين عليها، بشكل ضرب صفوف كل الأحزاب التي تحولت إلى أجنحة متكسرة بفعل الخلافات التي تصيب الدائرين في فلكها ولو حاولت تلك الأحزاب والمجموعات اللعب على وتر الحياد والتوفيق بين المتخاصمين لتركيب لوائح تفاهمية، فإنّ هذه المهمة تحتاج إلى جهود جبارة ومضنية وقد لا تثمر في نهاية المطاف.
ولهذا لم يبادر مجلس النواب إلى تقديم أي اقتراح بهذا الشأن تاركاً كرة النار للحكومة كي تتبنى مشروع قانون لتتمّ احالته إلى مجلس النواب للتصويت عليه كون التأجيل يحتاج إلى قانون يقرّ في مجلس النواب لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية.
الاشكالية الأهم التي تواجه التأجيل هي الشلل الذي يضرب العديد من المجالس البلدية سواء لكونها منحلّة أو تعاني مشاكل بين مكوناتها، في وقت قد تكون فيه المجالس المحلية «الحجرة» التي تسند اللبنانيين في زمن الانهيار ولو أنّ حالة الافلاس لم تستثن هذه الادارات، ولكن ثمة بلديات قادرة على تأمين الحدّ الأدنى من مقومات الصمود.
ووفق إحصاء أجرته «الدولية للمعلومات» خلال الشهر الماضي، تبيّن أنّ «عدد المجالس البلدية يبلغ حالياً 1.055 بلدية تضم 12.474 عضواً وتتوزع هذه المجالس البلدية كالآتي:
944 مجلساً بلدياً قائماً والكثير منها يعاني الشلل والتعطيل.
84 مجلساً بلدياً منحلّاً يدير أعمالها القائمقام أو المحافظ.
27 مجلساً بلدياً مستحدثاً بعد الإنتخابات البلدية في العام 2016، ولم يسبق أن شهدت هذه المجالس إنتخابات ويدير أعمالها القائمقام أو المحافظ.