IMLebanon

الانتخابات البلدية: لا مركزية إدارية.. ومسيحية

كلّما اقتربت الانتخابات البلدية والاختيارية من خواتيمها تكشّفت دلالات جديدة وراء هذا الاستحقاق، هذه المرّة، أبرزها نزعتان: الأولى عامة على امتداد الجمهورية عنوانها التوق الى لامركزية إدارية في ظلّ عجز السلطة المركزية وترهّلها، والثانية مسيحية تعكس ميلاً الى لامركزية القرار أو التمثيل عند المسيحيين في ظلّ سعي ثنائي التيّار «الوطني الحرّ» و»القوات اللبنانية» الى مركزية موصوفة.

وإذا كان المسيحيون عموماً هم الأكثر مطالبة باعتماد اللامركزية الادارية منذ اقرار اتفاق الطائف، فإن الانتخابات البلدية العتيدة، أظهرت هذه الحاجة لدى كل اللبنانيين، حيث تظهر غالبية شعارات اللوائح الانتخابية المرشَحة أو أسماؤها أو المناخات المحيطة بالمعارك الانتخابية أو عمليات التوافق في هذه الدائرة أو تلك، توقاً واضحاً الى مجالس بلدية قادرة على توفير حاجات المواطنين بتكلفة ووقت أقل، بدلاً من انتظارها من السلطة المركزية المنقسمة على نفسها والتي باتت عاجزة بفعل الشغور الرئاسي والتعطيل الحكومي والنيابي عن تأمين الحدّ الأدنى من حقوق المواطنين.

وإذا كان ثمة عشرات الأمثلة على هذا المناخ فإن المثل الأسطع يبقى في بيروت حيث أدرجت «لائحة البيارتة» في برنامجها الانتخابي عنوانين أساسيين تعهدت بتنفيذهما، وهما تأمين الكهرباء للمدينة 24 على 24 ساعة ومعالجة النفايات، حتى لو اضطر الأمر الى أن يلجأ المجلس البلدي الى القطاع الخاص لمواجهة هاتين المعضلتين، بالتنسيق مع مؤسسة كهرباء لبنان.

وهذا ردّ طبيعي من الشرائح الشعبية على ترهّل الدولة نتيجة الفراغ وعلى تمادي قوى سياسية في رفض الحلول الطبيعية لقضايا ملحّة مثل الكهرباء منذ ما قبل الفراغ وبعده. وربما لهذا السبب اختار اللبنانيون مناسبة الانتخابات البلدية لاقتراح أفكار وخطط لمعالجة مشاكل الكهرباء والنفايات وغيرهما، وإدراج هذه الاقتراحات في برامجهم الانتخابية لا بل تصنيفها أولويات في هذه البرامج.

أما بالنسبة الى النزعة الثانية المشار إليها والتي ظهرت في الدوائر الانتخابية المسيحية، فهي جاءت رداً على «التسونامي» التي بشّر بها تحالف معراب بين التيار «الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، والتي ترافقت مع الحديث عن تمثيل هذين الفريقين لنسبة 86 في المئة من المسيحيين؛ ذلك أن هذا التحالف لم يستطع حتى الآن خلق «التسونامي»، لا بل بدلاً من أن يجرّ العائلات الى معارك سياسية اضطرّ الى أن يلحقها في معارك عائلية، كما يقول الخبير الإحصائي المعروف ربيع الهبر الذي وصف نسبة الـ86 في المئة بأنها أصبحت من الماضي.

والسبب يعود الى أن المؤسسة السياسية عند المسيحيين، وهذا حال المؤسسة السياسية في معظم الطوائف، لم تنجح في تكوين وعي سياسي يقوم على البرامج ويغلب العصبيات الجهوية (العائلية والعشائرية.)، وانما تكتفي بدغدغة عصبياتهم الطائفية في مقابل الطوائف الأخرى، ما يعيد المواطنين في مناسبة كالانتخابات البلدية، مسرحها داخل الطائفة الواحدة، الى عصبياتهم العائلية، باعتبار ان لا مكان للعصبية الطائفية في هذا الملعب.

ومعنى ذلك ان التجربة الحزبية عند المسيحيين لم تتقدّم بعد على العصبيات الجهوية، وابرزها العصبية العائلية، بدليل ان العائلات السياسية المسيحية ما زالت حاضرة في مجالس النواب والحكومات بخلاف الطوائف اللبنانية الأخرى، لسبب رئيسي وهو ان المسيحيين الذين حبّذوا الاستقلال عن «السلطة المركزية» تاريخياً، يميلون اليوم الى لامركزية ادارية على مستوى الجمهورية، كما الى لامركزية سياسية مسيحية ايضاً بحيث لا يُختصر قرارهم بحزب او اثنين.

يقول الأديب الراحل مارون عبود: «الموارنة كالنسور لا يمشون أسراباً».