IMLebanon

الانتخابات البلدية لا تكفي وحدها لتحاشي الركود بعدها

مع اختتام الموسم الانتخابي البلدياتي بجولته الشمالية، يعود البلد الى ما كانت الحال قبل هذه الانتخابات من دوامات، ومحاولات لا يتضح لها من أفق للخروج من هذه الدوامات، أكان لناحية الشغور الرئاسي أو لناحية القانون الانتخابي وبدء العد العكسي لانتهاء فترة التمديد الثانية للمجلس النيابي الحالي، أو لناحية التعيينات في جهاز الدولة وروزنامتها هي الأخرى، أو لناحية المشكلة المتعلقة بـ»حزب الله« والنظام المصرفي اللبناني والنظام المالي العالمي، ناهيك عن التراشق المعتاد بـ»قفشات الفساد». هل معنى ذلك أننا غادرنا مناخاً انتخابياً، كرنفالياً نوعاً ما، وعدنا الى الجدّ الذي يساوي «الغم»؟ الى حد ما نعم، والى حد ما فقط.

فمخطئ من يستعجل ظهور التأثيرات التي تركتها التصدعات المختلفة كما أظهرتها نسب الاقتراع وصناديقه، ومخطئ من يكابر عليها أيضاً. ثمة شيء يتحرّك وثمة شيء يتداعى. وفي المقابل، خارطة القوى السياسية الأساسية وتوزعات نفوذها لم تتبدّل بشكل يوحي بأن ثمة قوة صاعدة وقوة آفلة ضمن النادي المعتاد، أو بأن ثمة قوة متبلورة في طريقها للانضمام الى النادي، وان كانت هناك حالات في طور التبلور، اما أن الانتخابات ساهمت في صناعة حيثيتها، واما أن الانتخابات كبحت مشروعها.

في جميع الحالات، هناك معادلة تتوقف الاستفادة منها على وعي طرفيها، لا الاعتراف بأحدهما دون الآخر: من جهة، أحادية نطق فلان أو علتان باسم طائفته صارت مسألة تحتاج الى الكثير من المراجعة، ومن جهة ثانية، رؤية الواقع السياسي، من اطاره الاكثر محلية الى اطاره الاوسع، كما لو أنه صار مدنياً وطنياً لا طائفياً، ولا يتحرك في عمقه، تبعاً للتجاذبات والتنافرات بين الجماعات الاهلية هو خطأ ما بعده خطأ، خطأ «التغييريين» الذي يجعلهم حماسيين فوق اللزوم أحياناً، ومحبطين فوق الضرورة أحياناً أخرى.

في اليوم التالي مباشرة لاختتام الأنشطة والجولات الانتخابية، يفترض تحديداً بالقوى التي تجمعها تركة عمل استقلالي مشترك، التدقيق في الأرقام، والرهانات ومآل الرهانات، وأيضاً في العيار الخطابي الذي استخدم هنا او هناك، وما كان منه لدواع انتخابية تعبوية منتهية الصلاحية، يفترض، عند اقفال الصناديق، وبين ما هو يتصل بتظاهرة أحجام استباقية لاستحقاقات أخرى، أو بمفعول رجعي، في ما يعني قضايا خلافية عالقة، ليس أقلها موضوع الشغور الرئاسي، الموضوع الأكثر خطورة بالفعل، والذي يفترض، ان كنا ايجابيين، أن نتوقع تحريكاً له، واقتراحات عملانية لتشكيل مروحة اتصالات، توازيها حركة ضاغطة، من داخل المؤسسات الدينية والسياسية ومن المجتمع المدني على حد سواء. أساساً، كان هناك ما هو غير صحي ومقلق في مشهد انتخابات بلدية في بلد بلا انتخابات رئاسية ونيابية، واليوم القلق يزداد، أولاً لأن وقت الشغور يزداد أكثر، وثانياً لأن ارتياح كل قوة سياسية وازنة الى أنها قطعت قطوع البلديات ويمكنها الاصطياف الآن يمكنه أن يجرّ الى العواقب الوخيمة. ليس هناك ما هو مضمون مؤسسياً في بلد بلا رئيس للعام الثالث، من فوق مشكلته بسلاح «حزب الله« وحروبه، ومشكلته بتعطيل دور المؤسسات، وتعطيل الاحتكام الى الناخبين في الانتخابات التشريعية، والطابع الفضائحي المتلفز حول الفساد من دون عدالة وعقاب بعد كل حلقة.

منسوب عال من الشعبوية رافق العملية الانتخابية، ولا بد أن يتراجع بعدها. عساه لا يتراجع لصالح الركود والتسلية بالفضائح التي تطمر بعضها بعضاً. بعض هذه الشعبوية راح بعيداً في اثارة هلع ملة من ملة، وبعضها الآخر راح بعيداً في ابتذال التحليل، وتصوير الأمور كما لو أن ثمة «طبقة سياسية» من ناحية، و»شعب» مضحوك عليه بالطائفية والمذهبية من ناحية ثانية. بناء حالة نقدية، تشبك مجدداً مع المعجم الدستوري ومع التحليل الملموس للوقائع السياسية والاجتماعية الملموسة، للخروج من هاتين الشعبويتين، او للاستفادة من خمودهما بعد الانتخابات، هو نقطة بالغة الأهمية اذا ما أريد للشيء «المدني» الجدي، الذي بدأ من أيام السينودس وقرنة شهوان، أن يتواصل بحلة أخرى، استقلالية ومستقلة، نقدية.. ومنخرطة في مواجهة شبكات الاستعصاءات (استعصاء السلاح، استعصاء الشغور، استعصاء القانون الانتخابي، استعصاء الاحتكام الى القانون لا التلفزيون في مواجهة مسائل الفساد).