تراقب الأوساط السياسية اللبنانية بحذر وترقب التطورات في المنطقة التي انقلبت على نحو مفاجئ الى حد كبير من تصعيد خطير نتيجة حروب مدمرة، وسط تهدئة قسرية ليست واضحة معالمها او معالم الاتفاقات غير المباشرة التي قادت اليها على نحو كلي، إلا أنها تبشر بآفاق حلول سياسية لم تكن ممكنة او متخيلة حتى الامس القريب، على الاقل. ويترك الوصول الى توافق سياسي حول اليمن استنادا الى مؤشرات صبت في هذا الاطار منذ أكثر من أسبوعين، والذي عمل على خطها مجموعة من الدول جنباً الى جنب مع المملكة السعودية ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية عبر نائبة وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى آن باترسون التي مارست ضغوطا كبيرة في هذا الاطار، المجال واسعا أمام اوساط سياسية في لبنان للتطلع في اتجاه امكان ان تنعكس التهدئة في اليمن على لبنان استنادا الى تخفيف التوترات التي بلغته على وقع التصعيد الخطابي في موضوع اليمن، والذي استنفر واستفزّ حساسيات الدول العربية ايضا مما تسبب بمشاكل للبنان. فهذا التوافق الذي بدأ يشهد ترجمة محتملة في اليمن، بمعزل عن فرص تطوره أو كيفية حصول ذلك، سار أيضا في موازاة دفع نحو الحل السياسي في سوريا عبر وضع اتفاق وقف الاعمال العدائية موضع التنفيذ واستئناف المفاوضات السياسية في جنيف، بغض النظر عن إمكان وصول هذه المفاوضات الى نتيجة وفقا لما هو مقرر أم لا، يعزز الآمال بأن تهدأ الخلافات في لبنان بعض الشيء وربما الدفع في اتجاه اجراء انتخابات رئاسية. لكن قلة نادرة من السياسيين تخاطر في الواقع في الجزم بأن هذه المؤشرات يمكن ان تحسم موضوع الاستحقاق الرئاسي خصوصا ان الرهانات على استحقاقات مماثلة خلال العامين الماضيين من عمر الشغور في سدة الرئاسة الاولى قد اثبتت خطأ الرهان على استحقاقات خارجية تم استخدام لبنان فيها احيانا كمنصة او منبر لتوجيه رسائل ما، لكن أصيب السياسيون بخيبة تلو الاخرى، خصوصا انه لم يترك استحقاق اقليمي او دولي إلا وربط الاستحقاق الرئاسي به من دون جدوى ما بين الوصول الى الاتفاق النووي مع ايران الى بدء تنفيذه ورفع العقوبات الى الحوار المنتظر الايراني – السعودي. وهذه النقطة الاخيرة، وان كانت لا تزال الرهان الاساسي، فإن أحدا لا يقدم معلومات عن مفاوضات جدية مباشرة حصلت، بل اتصالات غير مباشرة لا تتوافر معلومات عنها لدى القوى اللبنانية، لكن يمكن أن تستشفها مما يجري في اليمن على الاقل. يضاف الى ذلك حاجة القوى السياسية الى المزيد من تثبيت واقع التهدئة، وتاليا احتمال الاتجاه الى حلول سياسية قبل التعويل على متغيرات فعلية، اللهم باستثناء تأكيد واقع الهدوء والاستقرار الامنيين قسريا، واللذين تم تجميدهما في لحظة الانتظار المطلوبة على رغم كل العواصف التي واجهت الوضع في لبنان بحيث شارف الاستقرار على مغادرة الستاتيكو مرارا لكن من دون ان يحصل ذلك فعلا.
تقول مصادر سياسية إن ليس تهدئة الحرب في اليمن او في سوريا ما يتوقع أن يشكل عاملا ضاغطا على الأفرقاء اللبنانيين فحسب، بل استحقاقات داخلية ايضا. فانتظار وصول التوافق الخارجي الى لبنان بات محتما ما دام لم يتم التقاط لحظات ايجابية توافرت في الاشهر الاخيرة، خصوصا مع بروز ترشيح آخر غير ترشيح العماد ميشال عون. وهذه الترشيحات قد تكون باتت لها حسابات مختلفة بعدما استنفدت غايتها والاهداف منها، أقله الغالبية منها، وقد مضى على سيطرتها على الواجهة السياسية الرئاسية سنتان من دون أن تستطيع التوصل الى نتيجة. من جهة أخرى، يعتقد أن النجاح في الذهاب الى إجراء انتخابات بلدية تقصّى سفراء الدول المؤثرة على نحو جيد عن امكان اجرائها بما في ذلك في عرسال من خلال الاطمئنان من الجيش اللبناني الى امكان اجراء انتخابات في البلدة عبر صناديق توضع على مدخلها، وتاليا شجعوا بقوة على اجرائها تبعا لذلك، سيكون محرجا للقوى السياسية انطلاقا من ان هذه القوى لا تقوم بواجبها، في حين ان الشعب يقوم به. والواقع أن هذه القوى لا تخفي أن تكون الانتخابات تنفيسا للمواطنين إزاء العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية والتمديد لمجلس النواب، لكن الواقع سيكون ضاغطا على قوى تعمل على إنجاز انتخابات تناسب مصالحها الشخصية المباشرة وتعزيز اوراقها على الارض فيما تهمل عمدا ما يصب في مصلحة البلد ومصلحة جميع ابنائه. وعلى رغم انه يتوقع او يراد لهذه الانتخابات ان تكون معبرا لبعض الافرقاء لتعزيز اوراقه بحيث يضغط من اجل ان يترجم ما يعتبر اتساع حجم التمثيل البلدي المسيحي عبر الثنائي العوني القواتي، فان المصادر تعتقد ان لبنان غادر فعلا المحطة التي انطلقت منها الترشيحات للانتخابات قبل سنتين على رغم استمرار كل الخيارات على الطاولة. اذ مع انه تم تجميد اللحظة السياسية عند الشغور الرئاسي بكل حيثياته الا ان التسوية او الوفاق السياسي، اذا كان سينسحب على لبنان، فانه قد تتم ترجمته على غير النحو الذي ساد حتى الآن اي بالعناصر ذاتها خصوصا اذا كانت المعطيات الجديدة ستعكس تهدئة سنية شيعية بحيث لا يكون خيار فريق هو من يسري على الاخرين بل التوافق السياسي الذي يكرس هذه التهدئة.