تبدو التوافقات البلدية كالتوافقات السياسية، غلاف برّاق لمضمون مر المذاق.
الصورة عينها تجدها في بيروت، وكذلك في جونيه وزحلة وصيدا، وحتى في اقليم الخروب، كل التحالفات، ظرفية كانت أو دائمة، تبدو مربكة، لا اللوائح المتنافسة مرتاحة على أوضاعها، ولا رعاتها مطمئنون، والمسببات كثيرة، أبرزها عدم الاطمئنان الى المناخ السياسي، ثم اختيار رئيس اللائحة قبل انتخاب الأعضاء المناط بهم انتخابه، وبالتالي اسقاط الأسماء التي ترشحها عائلاتها أو أحزابها والتي غالباً ما تكون مطواعة لرئيس اللائحة، بدل انتخاب الرئيس مع الأعضاء من الناس مباشرة، بحيث يفصل الأعضاء على قياس الرئيس الموعود.
وضمن مسببات الارباك توزيع ولاية رئيس البلدية على ثلاثة أعضاء، بحيث يشغل الموقع رئيس كل سنتين، وطبعاً هذا ليس بدافع الاستفادة من مواهب المتطلعين الى هذا المجد، بقدر ما هي فروماجيست بلدية… ما يبعد المفهوم التنموي للعمل البلدي عن واقع البلديات الحالية أو التي ستستجد، تبعاً لانشغال الرؤساء والأعضاء بتبادل المناصب بدل المقترحات والمشاريع.
هذا الوضع بدأت تظهر سلبياته واضحة على استطلاعات الرأي المتصلة بنسب الاقبال على صناديق الاقتراع، وهي في بيروت خصوصاً، لم تتجاوز ال ١٨ بالمئة، من كل الفئات، وهذا ما يفسر تركيز الحملات الانتخابية على ضرورة النزول الى صناديق الاقتراع، لأن مثل هذه النسبة من المقترعين تطال مباشرة الظهير السياسي لكل مرشح، من حيث هو استفتاء على شعبية هذه الظهائر وقياس لحجم تفاعل الجمهور معها على كل صعيد.
ويضاف الى عوامل الارباك، كون لبنان عرضة للاهتزازات لوقوعه على الفالق السوري، بمعزل عن الاستقرار الأمني المغطى دولياً بتطلع الدول الأوروبية الى استمراره مفروضاً، لسبب أساسي وحيد، وهو ابقاء الساحة اللبنانية متنفساً للجوار الاقليمي المخنوق بروائح الموت والبارود، وموئلاً لمئات آلاف النازحين السوريين المتطلعين الى الهجرة عبره الى اوروبا. ومن هنا تدفق الاوروبيين على لبنان، محملين بالوعود والقروض لدعم ابقائهم، ولو موقتاً في لبنان، بعد اقناعهم بالمثل الفرنسي القائل: الهجرة هروب من بؤس مؤكد الى نعمة غير مؤكدة.
الوضع الأمني على الحدود الجنوبية في حرز حريز، وعلى الحدود الشرقية والشمالية كالبركان ينفث الدخان، لكن لا أحد يضمن استمرار هدوء المسرح، طالما ان خيوط الداخل اللبناني بيد المحركين الاقليميين، في حين تذهب الدولة اللبنانية أو ما تبقى منها الى الانتخابات البلدية والاختيارية لايهام الغربيين بديمقراطيتنا الخرافية ولتغطية فشلهم المزمن في انتخاب رئيس الجمهورية، وقبله مجلس النواب العائش على أوكسيجين التمديد.
الانتخابات البلدية التي يباهون بها كعلامة حضارية وكدليل ولاء للديمقراطية، اضافت الصراعات العائلية، الى النزاعات الحزبية والسياسية، في بلد تتقاذفه الانقسامات الداخلية، والطموحات السياسية، الملونة، بالطائفية والمذهبية، والتي يتقن السياسيون نسجها حول أنفسهم، فيتحولون معها من أمراء حرب، الى قساوسة وأئمة، في بلد يشكو من ضعف المناعة الذاتية، وقلة الحيلة الاقليمية، وانهيار الحدود بين الداخل والخارج، مع بروز قوى سياسية صادرت قرارات مذاهبها والطوائف وأخرجتها من كنف الدولة، لتجعلها في مواجهة مصيرية مع الدولة، وبالتالي مع بقية الطوائف.
اللبناني يعيش كل يوم وكأنه يومه الأخير، لا أمل ولا رجاء، بل ترقب وانتظار، في حين أن الوقت لا يغيّر أحداً، بل يمر فقط، فهل يسرّع اللبنانيون الخطى؟ ذلك قد يكون المطلوب، اذا ما مر الاستحقاق الانتخابي البلدي بسلام، لأن من يتحرك ببطء يتعب.