الإنتخابات البلدية أظهرت عطش اللبنانيين للتغيير ودحضت ذرائع التمديد
نتائج الشمال كرّست ريفي رقماً صعباً في طرابلس وصعوبة استئثار «اتفاق معراب» بالقرار المسيحي
أهم ما خرجت به الانتخابات البلدية والاختيارية التي شغلت الأوساط السياسية والشعبية على مدى شهر كامل، هذا التعطش لدى اللبنانيين وليس القيادات إذا صحّ التعبير للمشاركة في هذا الاستحقاق والتعبير عن مواقفهم وتطلعاتهم على طريق التغيير، رفضاً للواقع المؤلم، بعد سقوط ذرائع التمديد التي كانت تروج من قبل السياسيين، في الوقت الذي تعاملت وزارة الداخلية والبلديات بإشراف الوزير نهاد المشنوق وفريق عمله بحرفية عالية مع هذه الانتخابات وأخذت القرار بمسؤولية كبيرة، بالرغم من محاولات بعض القوى عدم السير بهذا الاستحقاق وتفضيل بقاء الأمور على ما هي عليه لظروف ومناخات أفضل، وهو ما وقف منه الوزير المشنوق موقفاً رافضاً ومشدداً على أن الانتخابات البلدية والاختيارية ستجري في مواعيدها وهذا ما حصل.
وإذا كانت أهمية هذا الاستحقاق أنه جرى في أجواء هادئة ومنافسة ديموقراطية مشهودة، على طريق التمهيد لبقية الاستحقاقات وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية والنيابية، إلا أنه يجدر التوقف بإمعان أمام ما حققته نتائج هذه الانتخابات في عدد من المناطق، سيما المرحلة الأخيرة التي جرت في طرابلس وبعض مناطق الشمال، حيث شكّل فوز لائحة وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي مفاجأة مدوية من العيار الثقيل، في مواجهة تحالف سياسي عريض كان يُتوقع له أن يحقق فوزاً كاسحاً في المدينة، الأمر الذي طرح تساؤلات عديدة عن أسباب هذا التبدل الجذري في المناخات الطرابلسية، ولماذا حققت لائحة ريفي هذا الفوز الكاسح على لائحة مدعومة من «تيار المستقبل» والرئيس نجيب ميقاتي ونواب المدينة وقوى إسلامية لها حضورها على الأرض في عاصمة الشمال. وبالتالي فإن ما جرى يفتح الباب أمام مرحلة سياسية جديدة ستشهدها طرابلس، سيكون نجمها الوزير ريفي الذي كرّس نفسه رقماً صعباً في عاصمة الشمال لا يمكن تجاوزه، بعد التفويض الواسع الذي حصل عليه من غالبية الطرابلسيين في هذه الانتخابات.
وفي رأي مصادر سياسية طرابلسية بارزة كما تقول لـ«اللواء»، فإن ما أفرزته صناديق الاقتراع يجب التوقف عنده ملياً، باعتباره حدثاً سياسياً بالغ الأهمية سيترك تداعيات على الساحة الطرابلسية والشمالية عامة، لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، وإنما ينبغي التعامل معها بواقعية ومسؤولية، بعدما نجح الوزير ريفي في تثبيت نفسه حالة سياسية وشعبية أساسية في الفيحاء، وهذا ما يفرض الاعتراف بالواقع الجديد، وتالياً ضرورة تضافر جهود قيادات المدينة ومن بينها الوزير ريفي للعمل يداً بيد من أجل إعطاء الدعم المطلوب للمجلس البلدي الجديد للقيام بدوره في خدمة طرابلس وأهلها.
وتلفت المصادر إلى أن المواقف التي صدرت عن الرئيسين الحريري وميقاتي بعد صدور النتائج أعطت انطباعاً إيجابياً بأن صفحة الانتخابات البلدية قد طويت، وأن الجميع سيمد يده إلى المجلس البلدي المنتخب في سبيل إعلاء شأن المدينة وناسها، بالرغم من الآثار السياسية التي ستترتب نتيجة ما حصل، والتي ستبقى في إطار اللعبة الديموقراطية، إذا كانت مصلحة طرابلس هي الأساس وبقي التنافس في إطاره الواقعي والمشروع، بعيداً من سياسات تصفية الحسابات وصراع الأحجام والأوزان.
وبالتوازي، تشير هذه المصادر إلى أن ما تحقق في القرى والبلدات الشمالية، كما حصل في تنورين، حيث فازت اللائحة المدعومة من وزير الاتصالات بطرس حرب بكاملها وبفارق كبير على اللائحة المدعومة من «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وكذلك الأمر الانتصار اللافت الذي حققته اللائحة المدعومة من النائب هادي جيش في القبيات على اللائحة المدعومة من «التيار» و«القوات» وبفارق كبير، يظهر بوضوح أن المزاج المسيحي ليس كله في فلك «اتفاق معراب» الذي تعرض للاهتزاز وبقوة، بحيث أن هناك من جاء ليقول لرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إنه ليس بمقدورهما الاستئثار بالقرار المسيحي، فهناك مستقلون خارج هذا الاتفاق لهم كلمتهم وحضورهم ولن يكون بالإمكان تهميشهم وعزلهم، وهو الأمر الذي يجب أن يأخذه عون وجعجع بعين الاعتبار ويعيدان قراءة اتفاقهما بما ينسجم مع المصلحة المسيحية والوطنية، وهذا يؤكد بوضوح أنه كما على الساحة الإسلامية هناك من لا يريد أن يحصر نفسه في ملعب «تيار المستقبل» أو حركة «أمل» أو «حزب الله»، على ما عكسته الانتخابات البلدية، فإن هناك أيضاً على الساحة المسيحية من يرفض الإقرار لعون وجعجع بوكالتهما عن المسيحيين في لبنان، وبالتالي فإن اتفاقهما لا يعني كل المسيحيين.