Site icon IMLebanon

الإنتخابات البلدية تبطل قرار «الدستوري» التمديد للبرلمان

بعدما أصبح تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية من الماضي، بعد أقل من أسبوعين على موعد الدورة الأولى من الإقتراع في 8 أيار، فإن وقوعها منذ ذلك التاريخ وفي دورات الاقتراع التالية، سيغضب كثيرين مثلما سيفرح كثيرين أيضاً

طراز الغاضبين من إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية ثلاثة: إما أنهم غير مستعدين لها، أو لا يريدونها في هذا التوقيت متوجسين من صعود وهبوط، أو أنهم يتهيّبون خسارتهم فيها.

طراز الفرحين إثنان: أولون أنهم سيجنون منها ما تحضّروا له وتوقعهم فوزهم إما لمرة إضافية أو لمرة أولى، وثانيون أنهم يصوّبون منها على هدف مضمر أبعد مدى. تسديد كرة لإصابة سواها.

من الفريق الفرح الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر الذي لا يكتفي بالاستعداد لخوض الانتخابات البلدية والاختيارية فحسب، بل يتوقع من حصولها وإمرارها في سلام في كل المناطق اللبنانية إطلاق مفاجأة تذهب به الى أبعد منها: العودة إلى المطالبة بإجراء الإنتخابات النيابية، لكن هذه المرة من باب الحجة الأقوى غير القابلة للدحض والتحايل عليها، هي المجلس الدستوري.

بعدما مدّد مجلس النواب في 31 أيار 2013 ولايته الى 20 تشرين الثاني 2014، تقدم الرئيس ميشال سليمان ونواب التيار الوطني الحر، على رأسهم عون، بمراجعتي إبطال لدى المجلس الدستوري: الأولى في الأول من حزيران 2013 طلب فيها سليمان إبطال قانون تمديد الولاية جزئياً، والثانية في 3 حزيران طلب فيها التيار إبطال القانون برمته. تعذّر على المجلس الدستوري إتخاذ قرار بعدما تغيّب ثلاثة من أعضائه هم أحمد تقي الدين وسهيل عبدالصمد وبسام مرتضى عن أربع جلسات متتالية، ما تسبب أولاً بفقدان النصاب القانوني لإلتئام المجلس، ثم إنقضاء مهلة 15 يوماً منذ إنعقاد جلسته الأولى في 4 حزيران من دون إتخاذ قرار، ما رفع يد المجلس الدستوري عن مراجعتي الإبطال وجعل قانون تمديد الولاية نافذاً، ومن ثم تمّ تنظيم محضر بوقائع الجلسات.

بسبب تواطؤ سياسي ضمني رمى من خلال تعطيل صدور قرار حتمي بالإبطال، سرت مفاعيل قانون تمديد ولاية مجلس النواب للمدة التي حددها، وهي سنة وثلاثة أشهر.

بعد التمديد الثاني لمجلس النواب حتى 20 حزيران 2017، تقدم نواب التيار الوطني الحرّ في 13 تشرين الثاني 2014، بعد يومين فقط على صدور قانون التمديد في 11 تشرين الثاني، بمراجعة إبطال ثانية خلص فيها المجلس الدستوري ــــ وقد التأم هذه المرة ــــ إلى قرار في 28 تشرين الثاني، قضى برد الطعن «للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية».

على أن القرار إرتكز على نحو رئيسي على قاعدة الظروف الإستثنائية التي تحول دون إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها بناء على ما أدلت به السلطات الرسمية، وجيء على ذكرها في الأسباب الموجبة في قانون تمديد الولاية لا في متن القانون نفسه. لاحظ القرار «أن الظروف الإستثنائية تقتضي إتخاذ إجراءات إستثنائية بغية الحفاظ على الإنتظام العام الذي له قيمة دستورية»، وأن «في الظروف الاستثنائية، الناجمة عن أحداث خطيرة جداً غير متوقعة يجوز للمشترع ضمن حدود معينة أن يخرج عن أحكام الدستور والمبادىء الدستورية أو القواعد ذات القيمة الدستورية حفاظاً على الإنتظام العام وإستمرار المرافق العامة وصوناً لمصالح البلاد العليا»، وانه ــــ وهنا صلب القرار ــــ «إذا توافرت الظروف الإستثنائية حالياً في بعض المناطق اللبنانية، وفق تصريحات وزير الداخلية، فلا يمكن التكهن باستمرارها لفترة زمنية طويلة تمتد سنتين وسبعة اشهر»، وبما أن الظروف الإستثنائية «قد تبرر تأجيل إجراء الإنتخابات في موعدها قبل إنتهاء ولاية المجلس، في 20/11/2014، وهي ولاية ممددة سابقاً، غير أنها لا تبرر تمديد ولاية المجلس مجدّداً سنتين وسبعة اشهر».

دعم قرار المجلس الدستوري تمديد الولاية ومبرّراتها، وتحفّظ عن مدة سنتين وسبعة أشهر حتى حزيران 2017 وعدّها «غير متناسبة مع مقتضيات التمديد» كون «الإجراءات تكون محدودة في الزمان من أجل الحفاظ على الإنتظام العام».

يحمل قرار المجلس الدستوري ذاك كل الأسباب الكفيلة بإطلاق حملة الدعوة إلى إجراء إنتخابات نيابية عامة لدافع جوهري هو أن إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية، وإمرارها في سلام وصدور نتائجها بلا قلاقل وإضطرابات، يفضي حتماً إلى إسقاط قرار المجلس وإعتباره باطلاً بعد زوال المبرّرات الأمنية التي تسلّح بها في تشرين الثاني 2014 للموافقة على تمديد ولاية البرلمان.

تستند الحجة المستجدة إلى أسباب رئيسية:

أولها، أن الإنتخابات البلدية والإختيارية أكثر حساسية من الإنتخابات النيابية العامة، وأكثر شراسة في بعض محطاتها بسبب النزاعات العائلية والعشائرية والسياسية والحزبية على السواء. تتداخل فيها إلى أن تصل إلى داخل العائلة الواحدة والبيت الواحد حتى، من جراء تشعب الولاءات وجموح الطموحات وتسابق الأجباب. أضف أن نسبة الإقتراع فيها، نظراً إلى حدة تلك النزاعات، أعلى من الإقتراع في الإنتخابات النيابية.

ثانيها، أن تأكيد السلطات الرسمية بنفسها جهاراً إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية بلا مخاوف أمنية والجزم بحصولها، يشير إلى تجاوز العامل الذي تذرّع به المجلس الدستوري، وهو الإضطراب الأمني، ما يفسح في المجال ــــ على غرار الإنتخابات البلدية والإختيارية ــــ لإجراء إنتخابات نيابية عامة.

ثالثها، أن البؤرة الوحيدة للتوتر، الخطيرة التي من شأنها أن تمثل حجة رفض الإنتخابات النيابية، وهي عرسال، أوجد قائد الجيش العماد جان قهوجي مخرجاً لها بحيث تجري فيها الإنتخابات البلدية والإختيارية في حماية الجيش. قضى قرار الجيش بوضع صناديق الإقتراع في نقاط تمركز قواته وحواجزه داخل البلدة، كي يفسح في المجال أمام الناخبين الإقتراع في حرية، نظراً إلى تعذّر وضع الصناديق في مدرسة أو منشآت رسمية أخرى. يناط بالجيش ضمان أمن الصناديق والإقتراع والناخبين في آن.

رابعها، ما دام قرار المجلس الدستوري 7/2014 لم يتحفّظ فحسب عن المدة الطويلة لتمديد ولاية مجلس النواب وأبدى إعتراضه عليها من غير أن يمنحه الدستور والقانون صلاحية تقصيرها مع زوال الظروف الإستثنائية ــــ كحال اليوم ــــ وما دام تحفّظ أيضاً عن ربط التوافق على قانون الإنتخاب بإجراء الإنتخابات النيابية، وربط إجرائها بالتوافق عليها حتى كونها «إستحقاقا دستوريا يجب إجراؤه في موعده، ولا يجوز ربطها بالتوافق على قانون إنتخاب جديد، وأن الميثاقية تقتضي التزام الدستور»، يفضي ذلك حتماً إلى الخوض مجدّداً في الدعوة إلى إجراء الإنتخابات النيابية.

عندما يمسي التمديد قائماً على قرار ستجعله الإنتخابات البلدية والإختيارية باطلاً، فإن إجراء إنتخابات نيابية عامة ــــ وليس فرعية في جزين فقط ــــ يصبح حقاً.