نجح أربابُ منظومة التعطيل في تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية، والإلتقاء على هدف إيقاف الدورة الديمقراطية وإغلاق صناديق الإقتراع أمام العائلات والعشائر لتختار ممثليها في إدارة الشأن المحلي، حال ذلك كحال الإنتخابات الرئاسية المعطلة بفعل إختلاف الحلفاء على الاسم، والإتفاق على الفراغ.
أظهرت جلسة مجلس النواب الأخيرة الطريقة التي تدار بها الأمور في البلد واللعب بمواقيت الإستحقاقات الدستورية كحال اللهو بعقارب الساعة، تاركين البلد في مهبّ الفراغ، والبلدات والقرى والعائلات في حال من التذمّر بعد الخطوة التي اتخذت، وكانت «أحزاب التأجيل» تروّج لها. وبدأت الأصوات ترتفع رفضاً للتمديد، وترك الخيار للناس ليقولوا كلمتهم، بعد مصادرة رغبتهم في خوض الإنتخابات واختيار الأكفأ لإدارة المجالس المحلية في هذا الوقت. وبعدما أثبتت التجارب في عددٍ من المناطق فشل التجربة الحزبية في إدارة المجالس البلدية والاتحادات والتدخل في قرار العشائر والناس، وفرض رؤسائها في اللحظات الأخيرة ولو كانوا دون مستويات الكفاءة.
يعوّل كثيرون على الطعن الذي سيُقدّم بقانون التمديد للمجالس البلدية ومن أي جهةٍ أتى، لإعادة الديمقراطية والدورة التنموية إلى الحياة اللبنانية التي تتآكل يوماً بعد يوم بفعل العشوائية المتّبعة في إدارة شؤون البلاد والعباد، وفي سبيل النهوض بالبلدات والقرى بعد الإنقسامات التي لحقتها نتيجة إخضاع البلديات للبازارات الحزبية وتقاسم الولايات البلدية ليتسنّى للأحزاب إرضاء أكبر عدد ممكن من العائلات والمحازبين على حساب مصلحة ونهوض تلك البلدات… وما رافق تلك المسيرة من شبهات اختلاس وفساد في عدد من البلديات، في مقابل الخوف من النتائج التي قد تترتّب على إجراء الإنتخابات في موعدها قبل ترتيب شؤون وشجون القرى والقواعد الشعبية والوقوف على مطالبها بدل الوقوع في شباك الخسارة أمامها.
وحول قانونية الطعن بقانون التمديد يقول الخبير الدستوري الدكتور جهاد اسماعيل لـ»نداء الوطن» إنّ التمديد للمجالس البلدية والاختيارية يخالف أحكام الدستور والمبادئ ذات القيمة الدستورية، حيث يتولى مجلس النواب، بحسب المادة 16 من الدستور، التشريع الذي يجب ممارسته ضمن الحدود الدستوريّة التي لا تشكّل انتهاكاً لحدود مرسومة للسلطة التنفيذية عملاً بالسمو الموضوعي للدستور. ما يعني أنّ امتناع الحكومات عن ممارسة واجبها الدستوري يستلزم، مبدئياً، وعند المجرى الطبيعي للأمور، مراقبتها ومحاسبتها لا إضفاء الشرعيّة على انتهاكاتها، ومنحها سلطة التّقدير في إجراء الانتخاب ضمن مهلة سنة كحدّ أقصى كما جاء في متن القانون الذي أجاز، في صيغته، ألا تسهر الحكومة على تنفيذ القوانين وفق منطوق الفقرة الثانية من المادة 65 من الدستور، ما يشكّل خرقاً دستورياً». وأكّد اسماعيل أنّ الانتخاب أو الاقتراع «حقٌّ دستوريّ ينبثق عن الحقوق المعنيّة للمواطنين في الفقرة «ج» من مقدّمة الدستور، وكذلك المادة السابعة منه، ويتفرّع عنه مبدأ دستوريّ آخر وهو مبدأ دوريّة الانتخاب المكرّس في المادة 25 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي انضمّ إليها لبنان عام 1972، ما يعني أن أيّ تمديد للولاية البلدية هو خرقٌ للقواعد الدستورية وسائر المبادئ ذات القيمة الدستوريّة».
وأشار إلى الفقرة «د» من مقدّمة الدستور التي تؤكد أنّ الشّعب مصدر السّلطات، و»هذا التأكيد، في طبيعة الحال، جاء على إطلاقه، ليشمل السلطات المركزية واللامركزية، الأمر الّذي يمنع السلطة التشريعيّة من تعديل مدة الوكالة الانتخابية إلّا لأسباب مستمدّة من ضرورات قصوى تقتضيها نظرية الظروف الاستثنائية، وهذه النظرية غير متوافرة في الواقع الراهن، لأن تحقّقها يفترض وقوع شرطين:
– تحقّق الظرف الاستثنائي (أي أن يكون الوضع غير طبيعي ومستقلّاً تماماً عن إرادة السلطة المعنيّة).
– أن يتعيّن على السلطة المختصّة أن تعجز بوسائلها العادية عن مواجهة هذه الظروف بحيث لا تتوفّر لها إمكانية إلّا بما قامت به، في حين أنّ السلطات المختصّة تمتنع بإرادتها عن تمويل الانتخابات وتوفير الظروف المناسبة لها اللوجستية والتقنية».
ولفت اسماعيل الى أنّ الولاية القانونية للمجالس البلدية وأصول إجراء الانتخابات، جرى تحديدهما في المواد 10، 14، 15 من قانون البلديات، وبالتالي أيّ تمديد أو تأجيل هو التفاف على هذه المواد واستطراداً على مبدأ الاستقرار التشريعي الّذي يتعيّن على السلطة التشريعية التقيّد به قدر الإمكان، وأنّ هناك 132 بلدية منحلّة في لبنان، ويتولّى المحافظون أعمالها وصلاحيّاتها وفق الفقرة الثانية من المادة 24 من قانون البلديات، والمادة نفسها تُلزم وزارة الداخلية، وتالياً الحكومة، أن تجري الانتخابات خلال مهلة شهرين تلي صدور قرار الحل، وهذا ما لم يحدث، علاوة على أنّ إقرار قانون التمديد للمجالس البلدية، يعني السماح ببقاء 132 بلدية منحلّة، وهذا يهدم اللّامركزيّة الإداريّة الّتي نصّت عليها وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف).
وبناءً على هذه الأسباب، بحسب اسماعيل، يمكن الطعن بالقانون الّذي أقرّه مجلس النواب أمام المجلس الدستوري وذلك بعد نفاذه، أي بعد نشره في الجريدة الرسميّة، سنداً للفقرة الثانية للمادة 19 من الدستور الّتي تؤكّد حقّ مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء أو إلى عشرة أعضاء من مجلس النواب، وكذلك وفقاً للمادة 19 من القانون رقم 250 الّتي تشترط تقديم المراجعة من قِبل المرجع المختص إلى رئاسة المجلس الدستوري خلال مهلة 15 يوماً تلي نشر القانون في الجريدة الرسميّة، لا سيّما أنّ المجلس الدستوري عام 1997، كان أبطل قانون التمديد للبلديات بموجب قرار 1/97، علاوة على أنّ في مقدور المجلس تعليق العمل بالقانون المطعون فيه إلى حين بتّ المراجعة إثر أول جلسة يعقدها، وعندما يقرّر ذلك، فهو يُوقف تنفيذ أحكام هذا القانون موقتاً ريثما يصدر قراره النهائي سلباً أو إيجاباً…