Site icon IMLebanon

«الأمن البلدي» في عمشيت… والأمن الوطني

لم يمر خبر توقيف خمسة عناصر من شرطة بلدية عمشيت، على خلفيّة صورة نُشرَت قبل أيام على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر مجموعة من السوريين موثوقي الأيدي ووجوههم إلى الحائط، مرور الكرام. بحيث نزل الأهالي إلى الشارع رافضين «المهزلة» على حدّ توصيفهم، مؤكدين أنّ عمشيت لا تَمتّ إلى العنصرية بصِلة، خصوصاً أنها تحتضن النازحين وتؤمن لهم الاستشارات الطبية والادوية والفحوص مجاناً، وتساعدهم وفق إمكاناتها، معتبرين أنّ «ما فَعلته شرطة البلدية مع اللاجئين السوريين هو تدبير أمني مشروع».

بدأ الأهالي يتجمّعون منذ الحادية عشرة قبل الظهر في خطوة عفوية أمام مطعم «ماكدونالدز» في عمشيت، الواقع على المسلك الشرقي للأوتوستراد، مطالبين بالإفراج عن رجال الشرطة.

كان الغضب سيّد الموقف، حيث رفض المعتصمون اتهام شرطة البلدية بالعنصرية، مؤكّدين أنّها تقوم بواجباتها، وهدّدوا بالتصعيد اذا لم يفرج عن عناصرها، على رغم محاولة أعضاء البلدية تهدئتهم، ومعهم عناصر قوى الامن الداخلي.

الصرخة واحدة: «لسنا عنصريين… عمشيت بلدة مضيافة يحكمها المثل القائل «عمشيت بَانيها حلوَنجي». وقد استغرَب الأهالي «مُحاكمة عناصر الشرطة ومقاضاتهم، وتوقيفهم لمدة ٢٤ ساعة للتحقيق معهم قبل إطلاقهم لعدم ثبوت أيّ جرم»، واصفين ما حصل بأنه «مهزلة».

وسألوا: «هل طلب أوراق النازحين الثبوتية للتحقّق منها وإيقافهم على الحائط في مكان يُفترض أن يضمّ ٤ اشخاص، فإذا به يضمّ ٣٠ شخصاً، دخلوا غالبيتهم خلسة الى البلاد، أصبحَ طلباً عنصريّاً؟».

ماذا حصل؟

وفي السياق، يروي أحد عناصر شرطة البلدية الذين واكبوا ما حصل، «أنه بعد اتصال ورَد إلى مركز الشرطة في عمشيت عن وجود سوريين في حي العربة، يُزعجون المارّة، توجّه الشرطي جورج ياغي يرافقه زميله الدرّاج خضر عبود الى المكان، فوجدا 11 سورياً خارج مكان سكنهم، وقد بدأ بعضهم بالفرار لحظة رؤية الشرطة.

عندها، طلب الشرطيان دعماً من الدورية التابعة للبلدية، فتوجّه الشرطيون بيار ارسانيوس وعصام سركيس وشلهوب ابراهيم الى المكان للمساعدة، وبَعدما قبضوا على أحد السوريين دخلوا معه الى الغرفة التي يسكنها، فوجدوا داخلها 31 شخصاً.

عندها، حاول عناصر الشرطة الفصل بين السوريين الذين يملكون أوراقاً ثبوتية وبين من دخلوا خلسة الى لبنان وطلبوا منهم أن يصطفّوا قرب بعضهم لمنعهم من الفرار، ويبدو أنّ مواطناً من عمشيت كان موجوداً في المكان، التقطَ صورة أثناء تنفيذ المهمة، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد اسبوعين من الحادثة، تمّ استدعاء رجال الشرطة الى سراي جبيل للتحقيق معهم».

نازح سوري يصوّر الاعتصام

قرابة الساعة الأولى، أقفل الأهالي الاوتوستراد كاملاً لمدة 10 دقائق. لكنهم، وبعد المشاورات قرروا التراجع وإغلاق خط واحد. وقد شهد الاعتصام حادثاً «مُضحكاً مبكياً»، فعلى المسلك الغربي مقابل التجمّع، كان نازح سوري يصوّر الاعتصام، فرآه رجال البلدية وتوجّهوا نحوه ليكتشفوا أنه من دون أوراق قانونية، فسَلّموه الى قوى الامن الداخلي.

وقرابة الأولى والنصف وصل رئيس بلدية عمشيت طوني عيسى الى مكان الاعتصام حيث هدأ الاهالي، رافضاً إغلاق الطريق. وقال لـ»الجمهورية»: «لم أطلب أبداً إقفال الطريق، بل جئت أناشِد الأهالي فَتحه.

الموضوع سيحلّ بالطريقة السياسية لذلك أجرينا الاتصالات اللازمة مع الفاعليات المعنية ومكتب وزير الداخلية ومجلس الوزراء، لحلّ القضية سياسياً». وأضاف: «أنا ضدّ قَطع الطريق على المواطن اللبناني، ولطالما كانت عمشيت ضد العنصرية. لقد وعدونا بالإفراج عن الموقوفين بعد ساعة».

بدوره، عمل عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب وليد خوري على فتح الطريق، مؤكداً لـ»الجمهورية»، «أننا نَتفهّم موقف الاهالي ولكننا نرفض هذه الخطوات»، واصفاً الوضع بأنه «خاطئ لأنّ شرطة البلدية مَحجوزة أمّا السوريون غير الشرعيين فيسرحون بحرية في بلدتهم».

«سنُكمل عملنا»

بعد مرور بعض الوقت، أطلِق عناصر الشرطة وتوجّهوا الى بلدية عمشيت حيث كان في انتظارهم عيسى وخوري وعدد من الاهالي وموظفي البلدية.

وقال الشرطي جورج ياغي لـ»الجمهورية»: «هؤلاء السوريون يشكّلون خطراً على أمن بلدتنا ومن واجباتنا توقيفهم، ولكنّ الصورة التي انتشرت أظهرت الموضوع على غير حقيقته. إثر ذلك، طلب وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق التحقيق معنا، وقد حققوا معنا في سراي جبيل. وبعد اتصالات شملت قائد المنطقة ووزير الداخلية والمدعي العام، وبعد التأكد من براءتنا أُفرج عنّا وعدنا الى بلديتنا وسنكمل عملنا».

من جهته، أكد عصام سركيس أنّ «عمشيت ليست عنصرية، وسنكمل عملنا بالطريقة القانونية وكل شخص لا يملك أوراقاً قانونية سنوقِفه، وهذا الحجز زادَنا قوة».

بدوره، قال بيار ارسانيوس: «السوري ليس عدوّنا، ولكن هذه واجباتنا، ونحن نحمي ضيعتنا تحت سقف القانون ولا اعتقد أنّ هذه جريمة، وتضامُن الاهالي معنا زادَنا قوة».

وبعد اجتماع رئيس البلدية والنائب خوري مع العناصر الخمسة، أكد عيسى لـ»الجمهورية أنّ «البلدية ستتابع واجباتها بالتنسيق مع القوى الامنية. عمشيت ليست عنصرية، وهي مفتوحة للجميع، ولكن يتوجّب عليهم الخضوع للقانون كما نخضع له نحن، ونتمنى ان تنتهي الازمة في سوريا ليعودوا سالمين الى بلدهم».

أما خوري فقال: «أسئلة كثيرة تطرح في ضوء هذه الحادثة، منها لماذا حجزوا عناصر الشرطة ولم يخلوا سبيلهم بعد التحقيق، هل هذا بسبب التدخلات والضغوط؟». وأضاف: «الخطر يكمن في تصوير ما حصل على أساس عنصري، الأمر الذي قد يُوَلّد عند السوريين الارهابيين اذا وجدوا، حال كُره ومَيل الى الانتقام وتنفيذ عمليات ارهابية في عمشيت، كما أنّ ما حصل يَستنفر الاهالي».

تختلف شرطة البلدية بمهامها ومسؤولياتها اختلافاً كاملاً عن الامن الذاتي، وما حصل في عمشيت لا يعدو كونه تدبيراً تقنياً بعيداً كل البعد عن العنصرية. وشرطة البلدية في عمشيت وسواها تُبعَِد الأمن الذاتي وتعزّز الامن الشرعي بلدياً.

وفي السياق، أصدر المشنوق تعميماً إلى المحافظين وطلب إليهم إبلاغه الى اتحادات البلديات والبلديات كافة، وهو يتناول موضوع تجاوزات بعض عناصر الشرطة البلدية للمهام المُناطة بهم.

وجاء فيه: «تكاثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة التجاوزات التي يقوم بها بعض عناصر الشرطة البلدية للمهام المناطة بهم، ولا سيما تجاه النازحين السوريين، والتي أساءت إلى صورة عنصر الشرطة البلدي ودوره تجاه الأهالي والسكان لجهة حفظ النظام والأمن في البلدة وتسهيل أمورهم.

وحرصاً على الصورة الحضارية لشرطة البلدية ودورها، لا سيما لحفظ النظام والأمن في البلدة، وتقديم يد العون إلى المواطنين والسكان القاطنين فيها، يجب إعطاء التعليمات المشدّدة لأجهزة الشرطة بضرورة التقيّد بالقوانين والأنظمة المرعية، وعدم الإساءة في استعمال السلطة الممنوحة لهم عند التعاطي مع المواطنين أو النازحين السوريين والتعامل معهم بكل مهنية وانضباط، وذلك تحت طائلة اتخاذ التدابير المسلكية بحقّ المُسيئين والمقصّرين منهم، وعلى أن يُصار الى التنسيق مع القوى الامنية المعنية عند حدوث أيّ إشكال بهذا الشأن».

وأوضحت الداخلية «ملابسات توقيف خمسة عناصر من شرطة بلدية عمشيت»، مشيرة إلى أنّ «التحقيق الذي أجرَته فصيلة جبيل التابعة لقوى الامن الداخلي وذلك بتاريخ 13/7/2016 قد تمّ بناء لإشارة المحامي العام القاضي وليد المعلم، وأنه بعد انتهاء التحقيقات قرّر النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم إخلاء سبيلهم».