قبل أسبوعين، خطّ علي الشيخ عمار، القيادي السابق في الجماعة الإسلامية ورئيس المنظمة اللبنانية للعدالة، على صفحته على «الفايسبوك» أن «بعض أبناء التيار الإسلامي وسعياً منهم إلى مخاطبة الجمهور عبر مشروعهم الخاص وإطلاع المواطنين على تفاصيل رؤيتهم التنموية المتقدمة، يدرسون إمكانية خوض الانتخابات البلدية في مدينة صيدا والمدن والبلدات والقرى اللبنانية الأخرى، من خلال تشكيل لوائح مستقلة تضم الإخوة المؤهلين لتحمّل أعباء مثل هذه الأمانة».
ومطلع الأسبوع الفائت، أعلن رسمياً «التداول بتشكيل لائحة إسلامية مستقلة بهدف خوض الانتخابات في صيدا». وبين هذا وذاك، نظمت لجنة المعتقلين الإسلاميين المؤلفة من أهالي موقوفي أحداث عبرا اعتصاماً تضامنياً مع أحمد الأسير وعناصره في مسجد الزعتري في المدينة، شهد هتافات ضد تيار المستقبل والنائبة بهية الحريري، تعهدت بمحاسبتهما على أدائهما تجاه الملف، في صناديق الاقتراع البلدي.
مصادر مطلعة لفتت إلى أن ملامح اللائحة الإسلامية كادت أن تتبلور. في الواجهة يقف الشيخ عمار، إنما في الخفاء يتحرك كثير ممن كانوا كوادر وقياديين في حركة الأسير أو مؤيدين لها من شخصيات معروفة صيداوياً. تقول المصادر إن اللائحة الإسلامية ستؤلف من 17 عضواً شاباً (عدد أعضاء بلدية صيدا 21)، محصورين بالحصة السنية ومسقطين منها العضوين الشيعيين والعضوين المسيحيين. ومن الأسماء التي يجري تناقلها، الشيخ محيي الدين عنتر الذي يُعَدّ من أبرز المناصرين للأسير والمناوئين للحريري، والذي أطلق على صفحته على الفايسبوك (المليئة بالهجوم والانتقادات للحريري والمستقبل)، هاشتاغ «أهل السنة ضرورة التغيير» و»قرار صيدا لشبابها لا لحبيسة قصرها».
ومن المنتظر إعلان اللائحة رسمياً، وإطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بها قبل نهاية الشهر الجاري. البارز ما تحدثت عنه المصادر من دور في مقترح تشكيل اللائحة الإسلامية، لوزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي الذي يتواصل باستمرار مع لجنة أهالي الموقوفين مباشرة، ومن خلال وسطاء، منهم المحامي نبيل الحلبي. وقد استقبلهم آخر مرة في مكتبه قبل أسبوعين.
وضمن ما صنف كرد فعل على استقباله مرشح اللقاء التشاوري في مجدليون محمد السعودي أول من أمس ودعم ترشيحه، نفذ عدد من زوجات وقريبات موقوفي عبرا اعتصاماً أمام مكتب مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان. المنقبات هتفن ضد دور المستقبل في منع نقل الأسير من سجن الريحانية إلى سجن رومية. زوجة الأسير، أمل شمس الدين، رفعت شهادة العلوم الشرعية الحاصل عليها زوجها قبل أن تدخل من باب خلفي إلى مكتب سوسان وتفاجئه، داعية إياه إلى إعلام مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بأمر الشهادة التي تدفع دار الفتوى إلى الطلب من القضاء بمنع محاكمته إلا بإذن المفتي بحسب النظام الداخلي.
التحريض المذهبي أدى إلى تراجع إقبال أبناء الجوار والجنوبيين عامة على هذه المدينة
كل هذا لم يؤثر في المشهد الصيداوي العام. في أداء مشابه للتقليل من أهمية ظاهرة الأسير في بداية نشوئها، لا يعير أصحاب المشروعين الرئيسين بالاً لجماعة «أهل السنة وضرورة التغيير». كثير من الطرفين يعتبر أن صيدا عادت إلى مربعها الأول والمنافسة بين رؤية معروف سعد ورؤية رفيق الحريري، بعد القضاء المبدئي على رؤية الأسير.
سعد: تحالفنا العريض مع الناس ضد تحالفهم الرفيع مع الفساد
لم يجد رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد حرجاً من الاستمهال لأسبوع إضافي قبل إعلان أسماء رئيس وأعضاء لائحة اللقاء الوطني الديموقراطي للانتخابات البلدية في صيدا. وحده عضو اللقاء فؤاد الصلح، تقدم بطلب ترشح رسمي (أول مرشح رسمي في صيدا)، واضعاً ترشيحه بتصرف اللقاء. أبناء معروف سعد لا يزالون في انتظار تسمية الأشياء بأسمائها، في وقت يرون فيه النائبة بهية الحريري ونجلها عضو البلدية أحمد الحريري ورئيس البلدية الحالي محمد السعودي، يروحون ويجيئون في جولات انتخابية رسمية وشعبية. «المهم البرنامج الانتخابي وخطة تغيير حال الفساد والاهتراء» يقول سعد. الهدف ليس تغيير الطقم البلدي الحالي، بل النظام الفاسد المتحكم بالمدينة منذ سنوات. هذا النظام الذي «لا يرفع الصوت ضد انقطاع المياه والكهرباء المستمر والتضييق على المستشفى الحكومي والمساهم في عزلة بوابة الجنوب عن محيطها». والنظام ذاته هو «الذي يرشح بلديته لولاية ثانية. فهل نصدق زعماء تيار سياسي يحتل موقعاً أساسياً في السلطة منذ نحو ربع قرن حتى الآن، ومسؤول عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه اليوم، عندما يطلقون الوعود قبيل الانتخابات البلدية بمعالجة كل الأزمات التي يعاني منها الصيداويون واللبنانيون عموماً؟». أزمات الصيداويين من تلك السياسات، ليست البطالة وتفشي الفقر وتراجع القيمة الشرائية للأجور وجمود الاقتصاد وانقطاع المياه والكهرباء فحسب، بل هي «السياسات والمحاولات التي أدت إلى تراجع دور صيدا كمدينة أساسية في لبنان، وكعاصمة للجنوب على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخسارتها لموقع رئاسة اتحاد بلديات صيدا الزهراني» قال سعد. وذكّر بنتائج «خطاب التحريض المذهبي الذي يعتمده هذا الطرف ورعايته للجماعات المتطرفة الإرهابية وتشجيعها وتوظيفها بداية قبل الانقلاب عليها في وقت لاحق، أدى إلى تراجع إقبال أبناء الجوار والجنوبيين عامة على هذه المدينة».
نهج تغييري متكامل طرحه سعد في المؤتمر الصحافي الذي خصصه أمس للإعلان الرسمي لخوض معركة البلدية. مؤتمر «مجلس بلدي قراره مستقل وغير مرتهن لأي طرف كان، ويُسهم في تحسين موقع صيدا ويرفض التهميش الذي فرضته السلطة على صيدا ويقوم بدوره في المطالبة بإقامة مشاريع التنمية الحقيقية التي تعود بالفائدة على الناس ويسعى إلى اجتذاب الاستثمارات المنتجة التي توفر فرص العمل للشباب ويعزز تعزيز دورها كعاصمة للجنوب حتى استعادة مركز رئاسة اتحاد بلديات صيدا الزهراني».
لتحقيق كل تلك الأهداف، يعتمد سعد على الطاقات الشابة الخلاقة وأصحاب الكفاءة والخبرة الذين يتميزون بالإخلاص والتصميم وصدق الانتماء إلى مصالح الناس. بهؤلاء «سنشارك في الانتخابات البلدية دعماً لهذه الطاقات والكفاءات وتبنياً لها، واثقين بقدرتها على تحقيق الفوز» قال سعد. مختصراً معركة اللقاء الوطني (التنظيم والحزب الديموقراطي الشعبي والحزب الشيوعي) بأنها «تحالف عريض مع كل الناس ضد التحالف الرفيع لنظام الفساد ضدهم».
البزري المتفرج
رسمياً، لم يعد عبد الرحمن البزري حليفاً لأسامة سعد. التحالف الذي هزم تيار المستقبل وحلفاءه في الانتخابات البلدية عام 2004، انهار جزئياً في دورة 2010 عندما اختار البزري الالتحاق باللائحة التوافقية برئاسة محمد السعودي. خيّم الجفاء بينهما خلال السنوات الست الماضية من دون أن ينقطع حبل الوصال كلياً. قبل أسبوعين، بادر سعد باتجاهه مكرراً محاولة انتخابات 2004. لكن عود رئيس البلدية السابق اشتدّ، حتى حيّد نفسه عن معركة البلدية، محتفظاً بهمته للانتخابات النيابية. رفض إحياء تحالف 2004، ولمّح إلى تأييده ترشيح السعودي الذي لن يمسّ بحصة البزري (3 أعضاء). وضع سعد النقاط على الحروف. رفض ضبابية توجه البزري المنقسم بين المشروعين. «لم يحصل التوافق مع البزري ولديه أعضاء في المجلس البلدي الخاضع لوصاية الطرف الآخر» قال سعد.
على ضفة اللقاء الوطني الديموقراطي، يتحرك كل من اللقاء الوطني العلماني الذي يضم شخصيات يسارية ناشطة محلياً وحركة «مواطنون ومواطنات في دولة» التي قررت الترشح في صيدا كما في باقي المناطق. منسق الحركة في صيدا وليد العاصي بدأ بإجراء اتصالات مع ناشطين مستقلين لضمهم إلى اللائحة. لكن الاتصالات سرعان ما اصطدمت بتحفظ التنظيم الشعبي وحلفائه الذين تمنوا «دخول البيوت من أبوابها»، باعتبار أنهم يتشاركون بالشعارات ذاتها. علماً بأن الحركة أعلنت في وقت سابق نيتها بخوض الانتخابات بشكل مستقل عن كل الأحزاب.