لا تسونامي عونيّ قواتي انتخابيّ، ولا محادل أو بوسطات. لن يرفع الجنرال والحكيم قبضتيهما في مهرجان انتخابي حاشد، معلنين خوض الانتخابات البلدية في كل قرى نفوذهما. الثنائية المسيحية تثبت أنها أضعف بكثير من الثنائية الشيعية التي تشبهت بها غداة تفاهم عون وجعجع، رافعة مبكراً رايات الاستسلام في وجه «العائلة أولاً» و»خصوصية الانتخابات البلدية»
الآن يقول النواب والمسؤولون الحزبيون إن للانتخابات البلدية خصوصيتها، وإن تدخلهم فيها محدود، وإنهم يحترمون قرارات العائلات. وغداً سيقولون إن حساباتهم الدقيقة للفوز تقتضي التحالف مع فلان وفلان وفلان ممن لا يهشون أو ينشون في المجلس النيابي، لكن لديهم قوة تجييرية عائلية قد تصل إلى ثلاثة آلاف صوت.
لكن ماذا يعنون بقولهم هذا؟ يعنون أن الولاء الحزبي لا يزال ضعيفاً جداً وأنهم بالغوا في تقدير قوتهم حين قارنوا الثنائية المسيحية بالثنائية الشيعية، واحتفلوا ببعض الإحصاءات، مبشرين بقدرتهم على اجتراح تسونامي خارق أو إطلاق محادل انتخابية تطيح كل ما يصادفها في طريقها.
فالوقائع تشير إلى وجود عدد هائل من رؤساء المجالس البلدية الذين ينضحون فساداً: تخبر عنهم الشرفات التي تحولت غرفاً مغلقة، والأرصفة التي تحولت مواقف سيارات للمحسوبين عليهم، ورجال شرطة المجالس البلدية الذين يعملون سائقين عند زوجاتهم. في بلدياتهم، هم غالباً الوكيل الوحيد للحفر وشركات الإسمنت والحديد والأدوات الصحية والبلاط والألمنيوم. إما يتعهدون الورشة كاملة أو لا يأذنون لصاحبها بالبناء. إما يشاركون صاحب المولد الكهربائي والدش والإنترنت ومحطات الوقود وشركات إعلانات الطرقات أو لا يسمحون له بالعمل في نطاق بلدتهم. وهؤلاء الممسكون بالكثير من الجزر والعصي يسجلون كل «أعمالهم الخيرية»، لـ»يتحاسبوا» والناخبين في الانتخابات البلدية والنيابية، فيجيّرون أصوات المنتفعين منهم للسياسيين التقليديين مقابل توفير هؤلاء كل الحماية القضائية والأمنية اللازمة لهم ليواصلوا استعراضهم. فهم العصب الرئيسي وحجر الزاوية في ماكينات آل المر والخازن والبون وحرب ومعوض وفرنجية ومكاري وحبيش وكل البيوتات السياسية التي تحافظ على استمراريتها في وجه الأحزاب. وبعيداً عن الملاحظات الكثيرة بشأن تفاهم التيار الوطني الحر والقوات، اعتقد كثيرون أن تحويله إلى تحالف انتخابي سيتيح لهما تخليص الناخبين أخيراً من ابتزاز هذه الشبكة العنكبوتية. إلا أن التدقيق في المشهد الانتخابي اليوم، يبين ربط العونيين والقوات زنديهما.
الثنائية تضع أهدافاً ثابتة تتطلع إلى إثبات نفوذها فيها مثل مناطق نفوذ النواب سليمان فرنجية وبطرس حرب وروبير غانم وهادي حبيش، رافعة القبعة في المقابل لرياس كان النواب العونيون أول وأبرز من يتحدث عن فسادهم. ففي الحازمية مثلاً يصمد رئيس البلدية جان الأسمر في إمارته، مراقباً تخبط العونيين والقوات في البحث عن وسيلة ما لإقناعه بإدخالهم جناته بدل قرع طبول الإصلاح والتغيير.
الحزبي الذي يرجح كفة العائلية على الحزبية يوجه صفعة إلى ثقة الأحزاب بنفسها
وفي الشياح، الحراك العونيّ خجول في مواجهة رئيس البلدية ــ صهر النائب ميشال المر ــ إدمون غاريوس، فيما تبحث القوات عما يتيح لها تكريس مقولة «عين الرمانة قوات».
أما الحدث فيرجح بقاؤها في الجيب العونيّة، فيما تطغى الحسابات العائلية على كل ما عداها في غالبية قرى بعبدا الأخرى. ولا شك هنا أن الحزبي الذي يقرر كل ست سنوات ترجيح كفة المصلحة العائلية على المصلحة الحزبية وسؤال كبير عائلته بدل حزبه عما يريده، إنما يوجه صفعة قاسية إلى الحياة الحزبية وثقة الأحزاب بنفسها. وفي المتن الشمالي وكسروان يتبلور أكثر ما تواجهه هذه الأحزاب. ففي أنطلياس ينقسم العونيون حتى الآن بين ثلاثة مرشحين، محيرين القوات، بدل توحيد جهودهم لإسقاط رئيس المجلس البلدي الحالي إيلي أبو جودة المحسوب على المر. علماً أن قوة التيار والقوات في هذه البلدة وغالبية البلدات الأخرى لا تكفيهما للفوز، ويحتاجان حزب الطاشناق. وهو ما يفترض أن يكون واضحاً جداً بالنسبة إلى أنصار الثنائية المسيحية الذين يعتقدون أنهم قادرون على تحقيق انتصارات ساحقة في أية انتخابات بمجرد أن يتحالفا، من دون أخذ الخصوصيات المناطقية والعائلية والحزبية لكل منطقة.
أما في جل الديب، فوضعُ المر ممثلاً برئيس المجلس البلدي الحالي في أسوأ أحواله. إلا أن خصومه المفترضين لم ينظموا أنفسهم بعد أو يحسموا أمر المواجهة. وهو أمر غير مفهوم؛ الأسوأ منه بكثير هو وضع الزلقا حيث يتهيأ رئيس البلدية ميشال المر (الملقّب بالشريف) المعروف بتأييده المطلق للنائب المر للتجديد لنفسه ولاية أخرى، فيما يعجز العونيون والقوات عن تشكيل نواة لائحة لخوض معركة شكلية أقله، مفضلين الاتفاق مع رئيس بلدية العمارة الذائع الصيت ليمنّ عليهم بمقعد أو اثنين. أما في ضبية، فيحظى رئيس المجلس البلدي الحالي قبلان الأشقر بدعم النواب العونيين وبعض عونيي البلدة وغالبية القوات، فيما تتحالف هيئة التيار في البلدة مع الكتائب الذين يترأس مرشحهم اللائحة. وحال ضبية من حال الجديدة ــ البوشرية ــ السد حيث يتفرج العونيون والقوات على رئيس المجلس البلدي أنطوان جبارة المقرب جداً من المر، دون التفكير بخوض مغامرة الانتخابات.
علماً أن الأوزان الانتخابية في الانتخابات السابقة دفعت التيار إلى تبني تسوية مع جبارة تتيح لهم «الإصلاح والتغيير من الداخل»، إلا أن الأوزان بعد انضمام القوات (والطاشناق؟) إلى التيار تغيرت طبعاً لكن المقاربة العونية لم تتغير. في المقابل، في سن الفيل حيث رئيس المجلس البلدي كتائبي، يجري العونيون والقوات وعدة عائلات التحضيرات اللازمة لخوض معركة جدية. والواضح أن إقصاء الكتائبيين أولوية عونية ــ قواتية، أياً كانت المآخذ على رياس المر. فالمعركة لا تتعلق أبداً بنزاهة المرشح أو سيرته الذاتية. وفي المنصورية تحول رئيس المجلس البلدي من متّهم بالفساد في نظر أكثر من نائب عونيّ إلى مرشح التيار في البلدة. وفي بتغرين لم يعذب العونيون والقوات أنفسهم بإجراء دراسة إحصائية لتبيان الخيارات المتوافرة، مكتفين مسبقاً بما سيعطيه المر لهم.
أما في بسكنتا، فينقسم العونيون والقوات مجموعتين: واحدة مع كل مرشح؛ في ظل اجتماع العونيين والقوات والقوميين كما يبدو في لائحة واحدة في بيت شباب، في مواجهة مرشحين؛ واحد مر وآخر كتائبي. أما كسروانياً فيشتكي العونيون للمفارقة من عدم انضباطية القوات، و»فتح كل واحد على حسابه». وفي جونية يحضر العونيون لمعركة ضد رئيس جمعية الصناعيين السابق نعمة افرام، فيما تؤكد مصادر مسؤول القوات الكسرواني شوقي الدكاش أن حزبه يؤيد مرشح افرام. علماً أن مرشح التيار جوان حبيش يستقطب بعض قوات البلدة، فيما سيرشح افرام دون شك بعض العونيين الموظفين في شركاته على لائحته. والنتيجة، يفوّت العونيون والقوات فرصة الاحتفال بالنصر معاً في ساحة جونية.
أما في ذوق مكايل، فينقسم العونيون فريقاً يؤيد مرشح رئيس المجلس البلدي الحالي نهاد نوفل الذي كان رأس حربة مخاصمة التيار في كسروان، وفريق يؤيد زعيم المولدات الكهربائية في البلدة وفيق طراد.
وفي غسطا، التي يعاني جبلها المظلل لحريصا وخليج جونية من اعتداءات بيئية وقضم متواصل لمساحاتها الخضراء، لا تزال الحركة الانتخابية بطيئة رغم أن رئيس المجلس البلدي محسوب على النائب فريد هيكل الخازن الذي يرفع راية النائب سليمان فرنجية في كسروان. وتطول القائمة التي تخترقها بعض النماذج الإيجابية سواء في البترون أو زحلة أو القبيات إلا أنها تؤكد عدم وجود نية لدى العونيين والقوات بوضع إصبعهما على جرح يوجع كثيرين، وتحويل الانتخابات البلدية من مساحة خاصة بتجاذبات العونيين إلى فرصة إصلاح وتغيير وتأمين قضية مشتركة يناضل العونيون والقوات في سبيلها بدل استمرارهم بالتلويح بفزاعة توطين السوريين أو الفلسطينيين وعلك الخطاب المذهبي نفسه. فالأمر كما هو الآن لا يتعلق بإقصاء الفاسدين والإصلاح والتغيير وتقديم نموذج آخر من العمل البلدي؛ تضع الأحزاب جميع هذه الشعارات جانباً مقدمة كل التنازلات اللازمة للدخول أكثر فأكثر إلى جنة السلطة.