IMLebanon

البلديات على إيقاع الفساد والطائفية

الحكومة نموذجاً للسجالات وديموقراطية الانتخابات

البلديات على إيقاع الفساد والطائفية

ليس الخطاب الطائفي الذي ساد جلسة مجلس الوزراء الاخيرة مفاجئا. المفاجئ حقا هو حجم الدهشة والاستغراب والتفجع لدى بعضهم. فالسائح في لبنان يمكنه التقاط روائح الطائفية النتنة المنافس الاول لروائح النفايات المنثورة. أما المقيمون في البلد، كي لا يقال مواطنون، وهي صفة لا تنطبق حكما على الرعايا اللبنانيين، فيتنفسون طائفية .

فالطائفية استثمار مربح، لا يفوقها ربحا الا الفساد. لذا، عنده فقط، يتجاوز اللبنانيون طائفيتهم ليتّحدوا في ملفات الفساد وحولها. ولنا في كل القضايا ـ الفضائح شهادة وشهود وربما «شهداء». من ملف النفايات الى الاختلاسات في قوى الامن الداخلي مرورا بالانترنت غير الشرعي وفضيحة الاتجار بالبشر وصولا الى عصابات السرقة الصغيرة. هنا تتبدى الوحدة الوطنية والانصهار بأعمق تجلياتهما، فتضم كل مجموعة فاسدين من كل الطوائف، يتكاتفون وينسقون ويحمون بعضهم بعضا. لا يميّزون في استهدافاتهم ابناء طوائفهم عن الآخرين. الفساد فوق الطائفية في لبنان الطائفي.

وسط هذا المشهد الوطني «الجامع»، سيمارس لبنان فرضا من فروض الديموقراطية عبر انتخاب مجالس بلدية يُفترض أن توصل ما يفوق الاحد عشر الف شخص منتخب كرؤساء واعضاء مجالس بلدية ومخاتير في بلداتهم.

واذا كان هؤلاء يستلهمون الوزراء والنواب في خطابهم ويستعيرون أدبياتهم ومنطقهم، ويقتدون بهم كزعماء وممثلين لهم، فان أقل ما يمكن انتظاره من المرشحين للانتخابات البلدية هو استخدام السلاح الابيض!.

غير أن نقمة الفيدرالية المقنعة والفرز الديموغرافي يتحولان الى نعمة في الزمن الانتخابي. لن يكون الصراع، في معظم المناطق، بين لبنانيين من طوائف مختلفة. بالتالي سيتحول منطق المواجهة الى صراع مسيحي ـ مسيحي او اسلامي ـ اسلامي. اما في المناطق المختلطة فهناك غالبا ارجحية لطائفة على اخرى، تفرز «بالتي هي احسن»، مجلسا بلديا فيه من «التقية» ما هو اشد خبثا أحيانا من الطائفية.

ومن مآثر الانتخابات البلدية في لبنان أنها تحيي الإنتماءات العشائرية والعائلية وصولا الى فروعها وآخر «جبّ» فيها. يعيد «الصراع» الناس في بعض القرى والبلدات الى ما قبل السياسة وقبل تشكّل الاوطان.

يرى أحد السياسيين، ممن اختبروا عن قرب تجربة الانتخابات البلدية في لبنان، أن في التوصيف اعلاه الكثير من الدقّة. لكنه يتخوف من ان يساق مثل هذا الكلام ويؤخذ في غير مقاصده فيضيف اعذارا للاطراف السياسية لتعليق وتأجيل الانتخابات البلدية. يجزم أن «هذه الانتخابات يجب أن تحصل مع المعرفة الاكيدة بأن مفهوم ممارسة الانتخابات سواء البلدية او النيابية مفهوم بدائي في لبنان. يعود ذلك الى ارتفاع الفساد والطائفية والتحزّب الاعمى والانسياق الى الغرائز. فالديموقراطية وممارستها فعل ثقافي وتربوي وتراكمي. تحتاج الى اناس احرار يملكون فكرا نقديا وحسّا عاليا بالمواطنة المنبثقة من الحس بالمسؤولية العامة. فهل اذا نظرنا الى انفسنا في المرآة نملك بعضا من تلك الصفات؟».

ومع ذلك تنشغل الاوساط السياسية في التحضير للانتخابات البلدية. وليس خافيا أن مشهدية مجلس الوزراء الاخيرة فيها قسط من استعراض القوى البلدية. فالهجوم الحاد دفاعا عن منصب، وصدّ الهجوم بدفاع اكثر ضراوة، يمكن الرهان على صرفه في زواريب القرى والبلدات طمعا بعضو بلدي او بمرشح اختياري.

وينشغل اللبنانيون في الاستعداد ايضا لهذه الانتخابات. وقد بدأ منسوب حرارتها يرتفع منذ بداية هذا الاسبوع. وكما بات معروفا، ستكون الانتخابات الاكثر حماوة في المناطق المسيحية، في امتحان لتحالف الاحزاب وتكاتف العائلات وحجم التدخلات. ومن جونية بدأت ترشح اولى البوادر مع تعليق اعداد من اللافتات المتسائلة عن «كرامة جونية». تلك التي قيل يوما «شو همها من هدير البحر» صارت «كرامتها» معلّقة على انتخابات بلدي