IMLebanon

بلديّة جل الديب: هَرِمنا!

في بلدة جلّ الديب بقنايا المتنية إبريقا زيت: جسرها ورئيس بلديتها. وفيما الأول ذهب ولم يعد، يصرّ الثاني على العودة كل ست سنوات من طاقة العائلة والنائب ميشال المر. الطابة اليوم في ملعب الأحزاب، وخصوصاً التيار الوطني الحرّ لقلب الطاولة عبر التجرؤ على تشكيل لائحة بوجهه وإشعال المعركة، أو التلطي مجدداً خلف رجال المرّ وتثبيت أذرعه في البلدات الرئيسية كما هو حاصل حالياً

لا تحتاج بلدة جل الديب إلى جسر يحدد مدخلها، كان رئيس البلدية إدوارد زرد أبو جودة على حق بالموافقة على إزالته وإهماله المطالبة ببديل منه. اتبع الرائحة وستصل حتماً. فما إن ينفد عطر النفايات من واجهة المتن البحرية على الأوتوستراد، حتى يكتشف السائق أنه بلغ وجهته.

أما إذا خانك أنفك، اقصدها في الليل، ابحث منذ بلوغك بلدة الزلقا عن المفرق الأشد ظلمة على الأوتوستراد؛ اتبعه وستصل حتماً. وإذا أردت الوصول إليها من الطرق الداخلية، ابحث عن خربة كانت حديقة عامة في زمن سابق، ها قد وصلت. منذ أسبوع، أطفأ «الريّس» شموعه الاثنتين والتسعين، أمضى اثنتي عشرة منها في تكديس «إنجازاته» رئيساً للبلدة بدعم من النائب ميشال المر، وقبلها مديراً عاماً للهاتف، دائماً بجهود من المرّ نفسه. تمنى الريّس هذا العام أن ينهي ولايته بالتجديد ستة أعوام أخرى، فكان أن حسم أمر ترشحه مجدداً غداة سقوط احتمال ترشيح ابنه جورج عوضاً عنه (رئيس مجلس إدارة البنك اللبناني الكندي قبل أن يقفل). فالملف القضائي للأخير لم يُقفل بعد، وخاصة لناحية الدعوى المرفوعة بتهمة اختلاس أموال شركة «نست». والريّس لا يردعه شيء عن الترشح مجدداً، لا تقدّمه في السن، ولا فشله في إنماء البلدة وخدمة أهاليها، ولا خسارته لأصوات موظفي البنك الذين كانوا يعدّون نحو مئة وخمسين شخصاً من أهالي جل الديب، ولو أنه وظف نحو 30 منهم في مشروع «بيت مسك» (ابنه يرأس مجلس إدارته)، ولا فقدان أصوات المجنسين التي كان يؤمنها أحد رجال المر في البلدة، المدير العام السابق للإدارات والمجالس المحلية في وزارة الداخلية خليل الحجل. يصرّ على خوض آخر معاركه حتى إن تطلّب الأمر زيارة كل ناخب على حدة وإيجاد من يقنعه بالترشح على لائحته. فيما كان في عام 2010 يفرد رجليه على المكتب مزهواً بالذين يؤمونه، راجين تبنيهم، أو على الأقل إبقاءهم في ذهنه كأعضاء «بدل من ضائع». أما محاولة الاتصال به، فتكاد تقارب بصعوبتها إمكانية عودة جسر جل الديب بأي شكل من الأشكال، أكان نفقاً أم على شكل U أو L. إذ غالباً ما يحضر صوت السكرتيرة منذ 6 سنوات حتى الساعة ليبلغك أن «الريّس في اجتماع»، من دون أن يلمس أهالي جل الديب نتائج اجتماعات رئيسهم المتواصلة. لكن كل ذلك غير مهم، الأهم أن المر يريد الإبقاء على رَجلِه، لا طمعاً بالبلدية، بل ضماناً لصوت إضافي في رصيد ابنته ميرنا في خلال انتخابات اتحاد بلديات المتن الشمالي. وفعلياً لـ»أبو الياس» عدة صداقات في البلدة راكمها خلال سكنه فيها مدة طويلة، حيث استطاع نسج تحالف انتخابي دائم مع العائلات.

لا يعيق رئيس البلدية سنّه ولا فشله الإنمائي ولا فقدانه لناخبيه

في جل الديب، ثابتة رئيسية توصل إلى الرئاسة: أن تكون من آل أبو جودة أو عطية (أكبر جب في عائلة أبو جودة) نظراً إلى أن العائلة تُعَدّ 1300 صوت من أصل 2500 ناخب. ويصدف أن الريّس إدوار هو كبير جب آل عطية ويشدّ عصب العائلة من هذه الناحية. وهو ما دفع رئيس رابطة آل أبو جودة، وليم، إلى دعمه في المرة السابقة لمنع التيار الوطني الحر من تشكيل لائحة بوجهه. والأخير يحظى باحترام كبير ونفوذ ضمن جل الديب وميله إلى مرشح يعزز حظوظه في الفوز. يتردد اليوم أن وليم لم يحسم أمره بخصوص ابن عمه بعد، إلا أن ترجيحات الكثيرين تؤكد وقوفه في النهاية في صف قريبه بشروط محددة تخص عدم التجديد لبعض الأعضاء القدامى. يضم المجلس 15 عضواً يتوزعون عادة بين الأحزاب والعائلات، ويقضي العرف دائماً بتمثيل آل حجل المنتمين إلى الطائفة الأرثوذكسية. في عام 2010، كان للتيار الوطني الحر مرشح جرت التضحية به، قبل ثلاث ليال، كبادرة حسن نية عونية نحو المر. ففازت لائحة العمارة التوافقية التي جمعت الأحزاب والعائلات في مجلس واحد. أما المرشح ــ الضحية إميل أبو جودة، فترشّح حينذاك لـ»المخترة»، ضمن لائحة شكلت قبل يومين من الانتخابات، يرأسها ابن شقيقته ويدعى فادي فريد أبو جودة بدعم من الحزب السوري القومي الاجتماعي. وتمكن إميل من الفوز، ليخرق «لائحة الإجماع الحزبي»، مع مختار آخر وعضو في المجلس البلدي. وفادي فريد مرشح دائم إلى الانتخابات البلدية، مستقل، عمل لثلاثين عاماً في الصليب الأحمر وأسس فرعاً له في جل الديب في عام 1984. يقول لـ»الأخبار» إنه مرشح حالي ورئيس لائحة الـ»واجب» (أي وحدة أهالي جل الديب ــــ بقنايا) في وجه الرئيس الذي أوصل البلدة إلى مرحلة «انحطاط لا مثيل لها من النفايات إلى إنارة البلدية إلى الطرقات غير المؤهلة إلى شرطة البلدية غير المنظمة إلى المعاملات الإدارية التي تحتاج أعجوبة لتسييرها». يعمل فادي اليوم على تشكيل لائحته ويشير إلى «سعيه للتحالف مع الأحزاب لأن رئيس البلدية بحاجة إلى من يدعمه في الوزارات لتسهيل معاملات البلدة». أما مشروعه فيتركز على «إعادة العمل الإداري إلى طبيعته، تسوية أوضاع الموظفين لضمان عملهم بنشاط، تنظيم شؤون الكهرباء والإنارة، وطبعاً تأمين مدخل لائق لجل الديب على الأوتوستراد».

في المقابل، لا مرشح معلناً لدى أي حزب حتى الساعة خوفاً من فضح أوراقهم باكراً، رغم أن الأحزاب الأربعة (التيار، القوات، الكتائب، القومي) تميل إلى استبعاد الرئيس الحالي. يحاول التيار الوطني الحر «تعزيز الثقة بينه وبين القوات بعد أن تعرّض للتشطيب في المرة السابقة خلافاً للمتفق عليه». ويكتفي رئيس هيئة التيار الوطني الحر في البلدة طارق حجل، بالإشارة إلى «الاجتماعات التي يعقدها الحزب مع القوات والكتائب والقومي والعائلات من أجل التنسيق في الانتخابات البلدية»، وهو ما أكده عضو البلدية القواتي فادي ناصيف أبو جودة، لافتاً إلى أن الهدف ليس «تكسير الدني، بل تشكيل مجلس بلدي ينسجم مع البلدة ويعمل على إنمائها». ويهمّ رئيس قسم الكتائب وليد حروق، التأكيد أن «التحالف ليس موجهاً ضد أحد، بل لمصلحة البلدة، ونحن دائماً مع التحالف الصادق». يفترض إذا ما تم الاتفاق أن يكون رئيس اللائحة مقرباً من التيار لكونه القوة التجييرية الأكبر في البلدة (نحو 600 صوت، الكتائب نحو 230، القومي 180 والقوات أقل من 100)، وكان قد تردد أن مرشحه أحد أعضاء البلدية الحاليين فادي مارون أبو جودة، غير أن الأخير نفى في اتصال مع «الأخبار» أي نية للترشح. علماً أن مصادر التيار لا تستبعد أي خيار، من ضمنها التحالف مع المرشح المعلن فادي فريد أبو جودة أو المختار جان إيليا أبو جودة، من دون إسقاط خيار تشكيل لائحة منفردة إذا لم يحصل التوافق على صيغة ترضي الجميع. الثابت هنا أن التيار سيفكر ألف مرة قبل إعادة مدّ اليد إلى الرئيس الحالي، لعدة أسباب أبرزها الخلاف القوي معه في المجلس البلدي (رئيس هيئة التيار في المتن هشام كنج عضو في البلدية) نتيجة فشله في إدارة البلدية وأمورها؛ غير أنها لا تقفل الباب نهائياً حول احتمال «التحالف مجدداً مع رَجل المر». فيما يتجرأ أحد المحامين المقربين من التيار وصاحب حملة «ثورة جل الديب لإيجاد مدخل ومخرج من جل الديب» عبدو أبو جودة على قول ما يتردد العونيون في قوله بالصوت العالي: «الريّس إدوار غير مؤهل لإدارة البلدية بناءً على عدة اعتبارات تتعلق بسنّه وظرفه ووضعه وتجربته الفاشلة، وبالتالي ترشحه مخالف لقانون الطبيعة ووصوله مستحيل».

الطاشناق بعهدة نقولا: «حان وقت إراحة البطرك»

قبيل أسبوع، لم يكن ممكناً للتيار الوطني الحر أن يتكلم بلسان حزب الطاشناق، وأي سؤال عن موقف الطاشناق والتنسيق معه في هذه البلدة أو تلك كان يقابل بعلامة استفهام على وجوه الناشطين. في جل الديب، اقتصرت المعلومات على أن «العازف الشهير غي مانوكيان وأحد ممولي فريق الهومنتمن الأرمني الرئيسيين هو زوج حفيدة رئيس البلدية إدوار أبو جودة»، وما يمكن هذه الصلة أن تؤثر بالصوت الأرمني في البلدة (100 صوت). غير أن الأمور تبدلت بين ليلة وضحاها، ولا سيما بعد تسليم ملف العلاقة مع الطاشناق في المتن الشمالي للنائب نبيل نقولا. سريعاً بدأ التواصل بين الطرفين عبر اتصال أجراه نقولا بالأمين العام للحزب، النائب هاغوب بقرادونيان، و»سنعقد أول اجتماع لنا الاثنين (اليوم) بحضور منسق المتن هشام كنج». وفيما يحاول النواب العونيون ترك الانتخابات البلدية للهيئات المحلية في التيار، لا يمكن نقولا النأي بنفسه عن «بلدية» مسقط رأسه جل الديب. وفي البلدة، «بطرك»، بحسب نقولا، هو الرئيس الحالي إدوار زرد أبو جودة، ولكن حان وقت «تكريمه وإراحته لمصلحة العنصر الشبابي»، يختم النائب المتني.

من هو مرشح «حزب الملّاح»؟

تتوزع قوى جلّ الديب ما بين التيار الوطني الحر والحزب القومي والكتائب والقوات والطاشناق وميشال المر و… جوزيف الملاح! يزن «حزب» الملاح ما بين 200 و500 صوت: 200 على ذمة التيار الوطني الحر و500 على ذمة «رئيس الحزب».

والأرقام هذه تنطلق من نيل مرشح الملاح إلى المخترة بشكل منفرد في العام 2010 (ريمون داغر أبو جودة) نحو 500 صوت، فيما يشير العونيون إلى أن الأخير كان المرشح الأقرب إلى 14 آذار، لذلك صبت أصوات هذه القوى في صندوقه. الثابت في الموضوع والمتفق عليه لدى الجميع أن الملاح يفوز بهذه الأصوات من الأحزاب بما فيها التيار، وبالتالي يمكنه تجييرها لأي مرشح يدعمه. فالملاح إضافة إلى كونه عضواً حالياً في البلدية، أحد أهم رجال الأعمال في البلدة والمدير العام لشركة ملاح غروب هولدينغ التي تدير أكثر من ثلاثين شركة، منها ما يعنى بمحطات البنزين، ومنها التي تعمل في النفط، وأخرى لتأجير السيارات، ورابعة للتاكسي، وخامسة تدير مجمعاً تجارياً، وسادسة مجموعة ميني ماركت، وسابعة لمولدات كهرباء تنير المتن الشمالي وجونية، وغيرها الكثير. وهو ما يفسر عدد الأصوات التي تجيّر له. يسري في البلدة أن للملاح مرشحه الخاص من آل عطية، وهو المهندس ريمون عطية، إلا أن عطية والملاح ينفيان ذلك: «لا شيء محسوماً حتى الساعة». ويقال أيضاً إن الملاح يرغب في الترشح شخصياً إلى منصب الرئيس، و»لكنه يتروى ويدرس خياره بتأنٍّ لعدة اعتبارات، أبرزها ما سيرتبه هذا الترشيح من استفزاز لعائلة أبو جودة»، الأمر الذي ينفيه الأخير أيضاً، مؤكداً أن من المعيب في القرن الحالي الحديث عن أمور مماثلة: «إن رغبت في الترشح، لن يمنعني أحد، لأني سأكون خير ممثل للأحزاب وأهالي البلدة، وفي خدمتهم. أعمل منذ سنوات في الشأن العام وناشط في كل الجمعيات الخيرية، ومنزلي مفتوح أمام أهالي جل الديب دائماً». ولكن حتى الساعة، حزب الملاح كما كل الأحزاب التي لم تحسم أمرها.