IMLebanon

بلدية الجديدة – البوشرية السدّ… أكبر من خلافات حزبية

 

من المطمر إلى الضرائب من يتناتش الجبنة؟

 

«خبصة»… تعبير يختصر ما آلت إليه أحوال بلدية الجديدة – البوشرية -السدّ بعد حلّها في شهر آذار من العام الحالي إثر استقالة 11 عضواً من مجلسها. البلدية التي ظُلمت ودفعت من وجودها ثمن التجاذبات الحزبية داخلها وخارجها وثمن عوامل خفية أخرى، تحوّلت اليوم الى ظالمة بعد أن ارتفع صراخ موظفيها وصرخة المكلفين الواقعين ضمن نطاقها. الموظفون يشكون من قلّة التقديمات، والمكلفون من مغالاة في الرسوم البلدية… وحتى اليوم ما من سامع ولا مجيب…

أخبار بلدية الجديدة لا تسرّ، بعض موظفيها تعرّضوا للضرب من داخل البيت وأدخلوا المستشفيات لأنهم طالبوا بحقوقهم والحصول على الفروقات المستحقّة لهم. أما المؤسسات التجارية الكبرى والصغرى، من دكان السمانة الى شركات الغاز، فرفعت الصوت عالياً معترضة على زيادة البلدية الضرائب على القيمة التأجيرية 60 ضعفاً في زمن تجاهد فيه المؤسّسات للاستمرار. وفي غياب البلدية وتولّي محافظ جبل لبنان محمد مكاوي القيام بأعمالها، فإن «الطاسة ضايعة» والمشاكل داخل البلدية في ازدياد.

 

قصة إنهيار بلدية

 

كيف وصلت بلدية الجديدة، البوشرية السدّ الى هذه الحال وهي البلدية الغنية والتي تصنّف من أكبر البلديات بعد مدينتي بيروت وطرابلس والتي تشرف على مطمر النفايات على شاطئ البوشرية وعلى شركات الغاز والكازخانات وعلى منطقة صناعية وتجارية واسعة؟ ربما كلمة السرّ في الانهيار تكمن في هذا المعطى بالذات وفق ما علمنا من مصدر مطلع من قلب البلدية، فالجبنة كبيرة والتقاسم لم يعجب البعض. في الظاهر، المشاكل بدأت بخلافات حزبية فالريس أنطوان جبارة الذي كان محسوباً على الرئيس ميشال المرّ صار مع تبدّل الظروف محسوباً على التيار الوطني الحرّ. ولكن لأسباب معلومة ومجهولة، انقلب الجميع عليه من عونيين وكتائب وقوات فيما تشكّلت حوله كتلة من عشرة أعضاء استفردت بالقيادة والقرارات. حين أتى الوقت المناسب، استقال 11 عضواً معظمهم من الأحزاب وأسقطوا معهم البلدية ورئيسها.

 

بعضهم يقول إن الخلافات في أساسها مادية وإن الأعضاء الذين كانوا يستفيدون من رئيس البلدية للتغاضي عمّا يرونه من ارتكابات طالبوا الريس بعد ارتفاع الدولار بزيادة هذه المخصّصات باعتبار أن للبلدية مصادر دخل كثيرة معلنة وغير معلنة. وحين لم يعد الريس قادراً على الدفع تكتلوا حوله وخلعوه. وإذ نتحفّظ على هذه المعلومات نوردها كما وصلت إلينا من أكثر من مصدر.

 

كلام كثير يقال عن خفايا بلدية الجديدة وما حصل فيها. فالريس جبارة عيّن ابنه المحامي سيزار كشرطي بلدي وعلّق هذا الأخير عضويته في نقابة المحامين ليعمل كموظف بسيط في البلدية ولم تمنعه وظيفته هذه كما يقول بعض العارفين، من اقتناء سيارة «بورش» أحدث موديل. ويذهب البعض أبعد من ذلك في نظرية المؤامرة حيث يقولون إن رئيس البلدية استحصل من أحد وزراء الداخلية وكان مقرّباً منه على قرار بتعيين ابنه أمين بلدية. ولكنّ القرار ظلّ سرياً لم يكشف عنه حتى استقالت البلدية حينها تم إخراج القرار من الأدراج، ليكون من خرج من الباب قد عاد الى البلدية من الطاقة، وتسلّم سيزار جبارة مهام أمين بلدية الجديدة بعد ابتعاد والده.

 

هذا التعيين لم يعجب فئات عديدة في البلدية، أعضاء وموظفين، لكنّ كثراً من أهل الجديدة يحبّون الشاب ويحترمونه ومستعدون للسير معه لتحقيق مصلحة البلدة. الموظفون الذين يعانون مثل غيرهم من موظفي البلديات ولم يحصلوا على الفروقات التي وُعدوا بها وفق القانون اعتصموا بدعم من الأحزاب أو «بحركشة» منها أمام البلدية وأقفلوا بابها في حركة تصعيدية. الأمر الذي حدا ببعض الشبان التابعين لجبارة إلى التدخل لفتح الباب عنوة فحصل تضارب بين الجهتين دخل على إثره عدد من الموظفين الى المستشفيات نتيجة إصابات متعدّدة.

 

جبنة حرزانة

 

هذه الإشكالات أثارت أكثر من سؤال: أين وزير الداخلية من المخالفات القانونية؟ ما هو موقفه من قرار تعيين سيزار جبارة كأمين للبلدية وكيف تمّ نقله من شرطي بلدية الى مركز كهذا؟

 

الأمر كما يبدو ليس قصة خلافات قانونية بل قصة تناتش للجبنة. فالبلدية التي تشرف على مطمر النفايات باتت تمتلك نتيجة ردمه أرضاً شاسعة بمساحة 400000 متر مربع ويبلغ سعر المتر فيها حوالي 3000 دولار. وكان هناك قرار ألا يستفيد من هذه الأرض المستحدثة التابعة عقارياً للبوشرية إلا من ينتخبون ضمن نطاق البوشرية وليس أبناء السدّ أو الجديدة، الأمر الذي أثار خلافات كثيرة داخل البلدية. كذلك يحكى عن صفقات كانت تعقد داخل البلدية ومنها على سبيل المثال قصة الإعلانات التي كان يفترض أن تدرّ على البلدية مبالغ طائلة لكن أجزاء كبيرة منها تحوّلت الى أفراد داخل البلدية في عمليات غشّ مستترة.

 

وكأن الخلاف المادي وتناتش الأرباح لا يكفيان، لتضاف الى مشاكل بلدية الجديدة مشاكل وجودية أخرى ليس أقلّها ما تسبّبه بلدة الرويسات من إشكالات أمنية وقانونية. حيث إن البناء فيها متفلت بالكامل لا ينال رخصاً ولا يخضع لأية شروط والفلتان الأمني داخلها يجعل من الصعب حصر سكانها أو التعرف إلى المواطنين الشرعيين من مواليد الجديدة أو ممن نقلوا نفوسهم إليها، من المقيمين غير الشرعيين مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر أمنية وحزبية.

 

وتقول المصادر إن المجنّسين من عرب وسريان وأشوريين الذين تم تسجيلهم في نطاق البلدية بات عددهم يقارب 20000 وقد يتفوقون في المستقبل القريب جداً على أبناء البلدات الثلاث الذين يقارب عددهم 21000 وقد دفعوا ثمن سياسات التجنيس التي أقرّت في زمن الوزير المرّ على حساب بلداتهم ومستقبلهم. ويرى أحد أبناء البوشرية أن الحل الذي ينقذ الجميع هو بتقسيم البلدية الى ثلاث بلديات لا سيما أن كل بلدة باتت تضم أكثر من 5000 ناخب ويحق لها ببلدية مستقلة. ولكنّ هذا الحل يعارضه الكثيرون بشراسة خاصة أن البوشرية هي المنطقة الأغنى والأوسع فيما الجديدة والسدّ قد تعانيان لتثبيت أقدامهما في العمل البلدي ويقول البعض لماذا اقتراح تقسيم واحدة من أكبر البلديات وأكثرها ازدهاراً؟

 

ستون ضعفاً… زيادة الضرائب

 

بعيداً عن المشاكل الإدارية والمالية والحزبية وعن المشاكل الشخصية لبلدية الجديدة وأهلها تبقى اليوم المشكلة الأكثر إلحاحاً مشكلة الناس الذين صحوا على كارثة مالية فتكت بهم دون أية أسس قانونية.

 

جان باخوس الناشط الاجتماعي والعضو السابق في بلدية الجديدة يشرح لـ»نداء الوطن» الغبن الكبير الواقع على المكلفين في هذه المنطقة لا سيما بالنسبة للأملاك غير السكنية. يقول إنه منذ سنة تقريباً بدأ الكلام على إعادة النظر في القيم التأجيرية لتتمكن البلديات من الاستمرار في القيام بواجباتها إذ لم يعد ممكناً أن تستمرّ في جباية الضرائب على قيمة 1500 ليرة. لكن قانونياً لا يمكن تعديل الضرائب إلا بتشريع يصدر عن مجلس النواب بعد دراسة معمّقة لاحتساب قيمة الضريبة. ما حصل مؤخراً أنه تمّت استشارة ديوان المحاسبة لإبداء الرأي في موضوع الضرائب. وارتأى الديوان أن على البلديات تعديل القيمة التأجيرية بغية رفع الضريبة عليها مع الحرص على مراعاة ظروف المكلفين. لكن ما حصل أن بعض البلديات استنسبت الزيادة ووضعت معياراً خاصاً بها معتمدة مبدأ كون الدولار قد ازداد 60 مرة فيجب زيادة قيمة الضريبة 60 ضعفاً على أن يطبق هذا المبدأ على الأملاك غير السكنية، فيما تمّت مضاعفة الضريبة عشر مرات على الأملاك السكنية وبدت زيادة مقنعة ومنطقية.

 

«اعتراضنا (يقول باخوس) ليس على مبدأ الزيادة التي لا ينكر أحد ضرورتها بل على الطريقة التي تم فيها إقرار الزيادة والقيمة من دون الاستناد إلى أي دراسة اقتصادية أو قانونية. فهو لا يأخذ في الاعتبار تراجع حجم الأعمال وارتفاع مستوى البطالة وغيرها. وقد قمنا بالاعتراض وفقاً للمادة 139 في أصول الاعتراض على الرسوم والعلاوات التي تقول إنه يحق لكل مكلف أن يعترض على أي تكليف بالرسوم والعلاوات المنصوص عنها في هذا القانون إذا وجد فيها خطأ أو إجحافاً أو مخالفة.

 

بلدية الجديدة لم تأت بخبراء لدراسة الوضع والنزول الى الأسواق لتفقد حال الناس والتجار والشركات، فالمتجر الصغير الذي كان يدفع مليون ليرة ضريبة على دكانه بات لزاماً عليه دفع 60 مليوناً اليوم لذا صار إقفال محله أفضل له. وفي مؤشر على اعتباطية هذه الزيادة، فإن بلدية برج حمود مثلاً لم تفرض إلا زيادة قدرها سبعة أضعاف على المحال التجارية ومن كان يدفع مليوناً صار يدفع اليوم سبعة ملايين في إشارة واضحة الى الظلم اللاحق بالمكلفين الواقعين في نطاق بلدية الجديدة.

 

بلدية الجديدة

 

 

باخوس مع مجموعة من المتضررين سعوا للسير بالخطوات القانونية للاعتراض على هذه الزيادة غير المبررة. «رفعنا عريضة تحمل 300 توقيع من أصحاب المؤسسات وقدّمناها في اعتراض موحّد الى البلدية. لكن تم رفض تسجيل الاعتراض في القلم بحجة أنه ليس لدينا الحق بتقديم اعتراض بالجملة وعلى كل مكلف أن يقدم اعتراضاً شخصياً. بدأ المهتمون يذهبون الى البلدية لهذا الغرض لكن في معظم الأحيان كان الموظف يرفض تسجيله في القلم علماً أن ذلك من أبسط حقوق المواطن وعمد البعض الى إرسالها عبر البريد المضمون وكان علينا القيام بوقفة اعتراضية ليتم القبول بتسجيل الاعتراضات فيما المادة 149 من القانون تقضي بأن يقوم المرجع المختص المقدم إليه الاعتراض بدرسه، وله أن يجري جميع التحقيقات المقتضاة وأن يستوضح المعترض عن كل ما يرى ضرورة إيضاحه بإبراز الوثائق والمستندات».

 

لم يكتف المعترضون بهذه الإجراءات المحلية بل وجّهوا اعتراضاً الى وزير الداخلية حمل 800 توقيع وتم تسجيله في قلم الوزارة وهم مستعدّون للمضي حتى النهاية لوقف هذه المجزرة بحقهم وحق مصالحهم. ويؤكد باخوس أن الحل موجود ويقوم على تقييم القيمة التأجيرية التي تراجعت الى النصف منذ العام 2019 وهذا يعني أن الضريبة المقترحة التي تصل الى 60 ضعفاً يجب أن تراعي هذا التراجع فلا تكون أكثر من 30 ضعفاً وبذلك تصبح منطقية تنصف أصحاب المؤسسات والبلدية على حد سواء.