IMLebanon

بلدية النبطية: التوافق الجبري فضحته النفايات

صحيح أن النبطية، كـ «أخواتها» الجنوبيات والبقاعيات، تمثل نموذج الولاء لحزب الله وحركة أمل، إلا أنها تنفرد بتقديم نموذج آخر لـ «التوافق الجبري» بين الثنائي الشيعي. برغم حرص ممثليهما في البلدية واتحاد البلديات على إظهار الانسجام، فإن استحقاقات كثيرة فضحت التباين بين الطرفين، شكلاً ومضموناً

قبل عامين، مارس محمد جابر رئيس اتحاد بلديات الشقيف (المحسوب على حركة أمل) صلاحياته، فألغى مناقصة تشغيل معمل الكفور لمعالجة النفايات، لأنها رست على شركة «معمار» التي يُحسَب أصحابها على حزب الله. لاحقاً، أقفلت بلدية الكفور، المدعومة من الحزب، المكبّ الواقع في خراج بلدتها الذي كان يستوعب نفايات المنطقة، في خطوة عُدّت رداً على أمل. والنتيجة؟ تراكمت النفايات في الشوارع واستُحدثت عشرات المكبات العشوائية البديلة.

وقبل أيام، نسب إلى الحزب تسهيل إعادة مكب الكفور لحل أزمة النفايات المستجدة بعد تعثر العمل في المعمل الذي رست مناقصة تشغيله الثانية على شركة «دنش لافاجيت» التي يملكها مقرّبون من الحركة، بعد قرار الحزب «سحب يده» من القصة كلها.

بلدية النبطية (المحسوبة على الحزب) التي تبرعت بالمعمل للاتحاد، تهيأت لإنشاء معمل معالجة خاص بها وإطلاق حملة للفرز من المصدر، متحررة من أي شراكة إجبارية. ذلك المشهد يشكل فصلاً من الأداء البلدي تحت مظلة التوافق الذي «حوّل البلديات إلى بيت طاعة».

برغم الجيرة في مبنى واحد، إلا المسافة بين البلدية (رئيسها من الحزب) والاتحاد (رئيسه نائب رئيس بلدية النبطية من حركة أمل) كانت شاسعة. اختلاف في وجهات النظر وأسلوب الإدارة والمشاريع، منها اعتراض البلدية على تشييد الاتحاد طبقة إضافية في مبناه قبل الحصول على التراخيص اللازمة. الاختلاف تطوّر أحياناً إلى خلاف دفع رئيس الاتحاد إلى التهديد بإخراج البلدية من مبناه (تشغل البلدية الطبقة السفلى من مبنى الاتحاد). بهدوئه، يتصدى رئيس البلدية أحمد كحيل لما وصفها بالشائعات المبالغ فيها عن خلاف مع الاتحاد. «الخلاف إداري وليس شخصياً، وما يقوم به الاتحاد شأن خاص». يقطع سريعاً الحديث عن علاقة الجارين، مستعيناً بقول منسوب إلى الإمام علي: «من اشتغل بغير المهم ضيّع الأهم». فما الأهم بالنسبة إلى مسؤول ملف العلاج النفسي والإدمان في الهيئة الصحية الإسلامية؟

يُعزى عدم الانسجام بين الحليفين إلى رواسب معركتي

1998 و2004

أولاً: مأسسة البلدية. عام 2010 واجهت البلدية «مقاومة التغيير لتطوير الثقافة العامة من اعتبار البلدية مؤسسة وليست رئيس بلدية أو حزباً أو مزاجاً شخصياً». يعرض كحيل معاناة أربع سنوات مع البيت الداخلي أولاً، ثم المواطنين ثانياً، لتحويل البلدية إلى إدارة وقوانين. قسّم العمل وصدر دليل المعاملات وخضعت الإدارة والمعاملات للمكننة وحُصر إعطاؤها بصاحب العلاقة فقط (حفظت البلدية كافة المعاملات والوثائق في ميكروفيلم في خزنة في مصرف لبنان ليبقى أرشيفها محفوظاً بتبدل المجالس). كذلك خضع الموظفون والعمال لنظام حديث للأجور والرعاية الصحية والتقاعد خاص بالنبطية أقر في مجلس الوزراء بموافقة وزير الداخلية. ثانياً: إقرار تشييد القصر البلدي. ليس من قبيل فك الارتباط مع الجار، بل بداعي التطور. على مساحة أربعة دونمات، سيرتفع القصر في غضون عامين، جامعاً أجهزة البلدية من المكتبة والكونسرفتوار والمعرض إلى المكاتب والموظفين. ثالثاً، بدء تنفيذ خطة معالجة النفايات والفرز من المصدر بالتعاون مع الجمعيات المحلية. الفكرة التي اقترحتها بلدية الحزب الأولى في النبطية عام 1998، أعادت إحياءها بلدية الحزب الثالثة عام 2010. قسمت الأحياء إلى 11 مربعاً وأوكل كل مربع إلى جمعية تشرف على تزويد المواطنين بمستلزمات الفرز وصولاً إلى جمع النفايات. البلدية عقدت اتفاقيات مع شركات لشراء النفايات غير العضوية ومردوها يستثمر في مشاريع تنموية. أما النفايات العضوية، فتذهب إلى معمل الكفور. «من دون المعمل، الخطة لا تسير ونحن ننسق مع الاتحاد» يؤكد كحيل الذي وجد أن «لا داعي لإنشاء معمل خاص بالنبطية كما كان مقرراً ما دام معمل الكفور شغّالاً».

يعيد البعض عدم الانسجام بين الحليفين إلى رواسب معركتي البلدية في 1998 و2004. في الدورتين، خسرت أمل أمام الحزب بعد منازلتين كادتا أن تهددا السلم المحلي. في الانتخابات الأولى عام 1998، حصد الحزب 17 مقعداً واستطاعت أمل أن تخرق اللائحة بأربعة مقاعد. وبرغم أن التوزيع ذاته تكرر في بلدية 2004، إلا أن كوادر في أمل وحلفائها تحدثوا حينها عن تزوير في فرز الأصوات. الحركة عوّضت في الاتحاد. الحزب رأسه عند تأسيسه لمدة وجيزة قبل أن تنتزع أمل منصبي الرئيس ونائب الرئيس، ما دفع الحزب حينها إلى مقاطعة الانتخابات. التوافق أحلّ الهدوء على اتحاد 2010 (18 بلدية لأمل و11 للحزب ورئيس الاتحاد ونائبه من حصة أمل). كذلك رفع التوافق من حصة أمل في بلدية النبطية (9 من ضمنهم ممثل عن الحزب القومي).

ماذا عن الانتخابات المرتقبة؟ النائب هاني قبيسي الملكف الإشراف على ملف منطقة النبطية يجري اجتماعات أحادية مع العائلات والمجالس البلدية، لكنه لم يدعُ حتى الآن إلى اجتماع عام على مستوى المنطقة كما فعل نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق. يجمع الحليفان على نجاح تجربة كحيل. إلا أن مصادر في البلدية ترجّح رفضه الترشح مجدداً بسبب انشغالاته الخاصة. ليس صعباً على الحزب اختيار بديل لكحيل. في المقابل، تحرص أمل على الاستفادة من أخطاء بلديات التوافق الأولى. مسؤول الشؤون البلدية والاختيارية في إقليم الجنوب، في أمل، محمد عواضة، يقول: «ما حدا بيرضي العالم كلها، إنما نحاول إشراك العائلات واختيار مرشحين يتمتعون بالكفاءة والشهادة العلمية والإقامة في المنطقة والحفاظ على التنوع المذهبي والطائفي». قاووق أيضاً تحدث في لقاء ماكينة الحزب على تمثيل الأحزاب والعائلات.

مع ذلك، وبرغم التنوع السياسي والعائلي في النبطية (الشيوعي واليسار الديموقراطي والقومي والبعث وآل الأسعد وآل الزين وآل شاهين) وتجمع الأندية والجمعيات، إلا أن قلة فقط أبدت رغبتها في الترشح. المشاركة الضعيفة في الحراك الشعبي الذي نفذ في المدينة تزامناً مع الحراك المركزي في بيروت قبل أشهر (احتجاجاً على ازمة النفايات) تعطي فكرة عن النتيجة المحسومة لمصلحة التوافق.