IMLebanon

بلدية صور: القديم على قِدمه ما لم يفرض آل الخليل معركة

يطمح «الثنائي الشيعي»، مجدداً، الى تكرار تجربة التزكية التي عمل لها في الانتخابات البلدية عام 2010، متغاضياً عن كل مساوئ البلديات التي نجمت عنها. جنوباً، القديم باقٍ على قدمه، ما ينعكس برودة انتخابية لافتة. وحدها صور محطّ الأنظار، في انتظار أن يقرر آل الخليل «فرض» معركة ضد تحالف أمل ـــ حزب الله

يتباهى القيّمون على اللجان التي شكلها حزب الله وحركة أمل للتحضير للانتخابات البلدية المرتقبة في الجنوب، بأن ملامح المشهد البلدي باتت واضحة منذ الآن: «القديم على قدمه مع استثناءات طفيفة في بعض البلديات».

والقديم المقصود هنا ليس الالتزام بالميثاق التوافقي للثنائي الشيعي وتقاسم البلديات بالنسب ذاتها كما في انتخابات 2010 فحسب، بل أيضاً الإبقاء على رؤساء البلديات وأعضائها، إلا في الحالات الاستثنائية، كالوفاة أو الغياب عن البلاد، أو لوجود اعتراضات واسعة على شخص ما. وفي ما عدا ذلك، لا يجد الثنائي أن مراجعة تجربة بلديات التوافق «واجب شرعي»، رغم «الجمود الذي مسّ التنمية ومفهوم العمل البلدي بعد غياب التنافس لاستمالة الناخبين».

في مدينة صور، التزكية هي الهدف المنشود. لكنها مهمة حركة أمل لأن المدينة حصتها، فيما حزب الله «ضيف شرف» أدخله التوافق الى البلدية، بعدما خسر أمام حليفته انتخابات ٢٠٠٤. الرئيس نبيه بري أوعز إلى الماكينات الخضراء بتركيز الجهود على إنتاج بلديات بالتزكية. وهذا ليس صعب المنال. ففي الدورة الماضية، نجحت المساعي في إنجاح 19 بلدية بالتزكية في قضاء صور من أصل 60 بلدية. ورغم أن وزير الداخلية نهاد المشنوق لم يدع بعد الهيئات الناخبة الخاصة بمحافظة الجنوب، إلا أن بعض رؤساء البلديات في المنطقة بدأوا منذ الآن بتلقي التهاني على إعادة انتخابهم!

ليس وارداً الحديث عن الديموقراطية وتمثيل الآخر، بقدر أهمية إجراء استفتاء على حجم التمثيل، والحفاظ على «وحدة الصف»، ولا سيما في القضاء، وخصوصاً في مدينة صور التي تعد عرين بري وعقيلته السيدة رندة على مستوى الحضور والأنشطة والمشاريع. لكن استعادة تزكية البلدية الحالية لا تعكس صورة ناصعة. حينها، ترشح العشرات من المستقلين، معظمهم من الشباب والناشطين في المجتمع المدني.

بعض رؤساء البلديات في المنطقة بدأوا بتلقي التهاني على إعادة انتخابهم

لكن، بقدرة قادر، بدأوا واحداً تلو الآخر بسحب ترشيحاتهم استجابة لتمنيات قياديين في أمل. وعندما «عاندت» إحدى المرشحات، دعاها بري إلى جلسة تعارف في قصره في المصيلح، قبل أن تعلن انسحابها. وحده واصف صبراوي (من أصحاب السوابق) تمسك بترشيحه مدعوماً من آل الخليل، أبرز خصوم أمل في المنطقة. قبل ساعات من إقفال مهلة سحب الترشيح، استصدر رئيس محكمة صور السابق القاضي عرفات شمس الدين حكماً قضائياً بحق صبراوي بتهمة إقدامه على إطلاق النار عام 2005 (جنحة مانعة للترشيح). في اليوم ذاته، عدل سجله العدلي مضافاً إليه الجنحة الشائنة، ما أبطل ترشيحه تلقائياً. تنصّلت «أمل» مما قام به القاضي الذي أنقذها من امتحان الصناديق. «زمطت» الحركة وعلق القاضي. قدم آل الخليل طعناً أمام شورى الدولة ضد «التزوير الذي أنتج التزكية». وفيما رد المجلس الطعن «بضغط سياسي» كما تردد، صدر قرار بطرد شمس الدين من القضاء نهائياً بعد أكثر من عام.

في الدورة الحالية، لن تفرض «أمل» التزكية هكذا. رئيس «الريجي» ناصيف سقلاوي المكلف من قبل بري بمتابعة ملف بلدية صور، يشرف على الماكينة، مستفيداً من «مونته» على معظم فاعليات المنطقة والحركيين. الوفاء الأخضر واليأس من التغيير ومواجهة ثنائي الحزب والحركة، تفرض برودة لافتة. ناشطان فقط أبديا على صفحتهما على الفايسبوك نيتهما في الترشح. وعلى غرار من سبقهما من المرشحين، يجزمان بأنهما «لن يتراجعا عن قرارهما». انحصار الترشح باثنين لا يعني رضى عن أداء البلدية الحالية (خمسة أعضاء من حصة الحزب ــ أحدهم قدم استقالته لأسباب شخصية ــ و15 يمثلون «أمل» بينهم الرئيس ونائبه، وعضو يمثل الحزب السوري القومي الاجتماعي). نائب رئيس البلدية صلاح صبراوي وصف في حديث إلى «الأخبار» التجربة البلدية بأنها «العسل المر». يستعرض المشاريع التي أنجزت؛ من خطة السير وتخطيط الشوارع وتجميل المداخل والمستديرات ومهرجان عرس المينا السياحي وتنظيم قطاع الصيد ومنع السيارات العاملة على المازوت والجت سكي، إلى استحداث مواقف سيارات عامة. أما مشروع الإرث الثقافي الجاري منذ 12 عاماً، فلم تستطع البلدية هذه أيضاً إنهاء المرحلة الثانية منه.

البلدية المزكّاة شكلت نموذجاً لخلافات البيت الواحد. أكثر من مرة، اعتكف صبراوي احتجاجاً على أداء الرئيس حسن دبوق. الأخير، الكادر في أمل، لم يحز إجماع إخوانه. ويدور جدل حول استبداله أو التمسك به.

تركز «أمل» على معركة صور، لا لأنها العرين الأكبر فحسب، بل بسبب توافر خصم يندر وجوده في المناطق الأخرى. في اللحظات الأخيرة، انتزعت فوزاً سهلاً على آل الخليل، قبل 6 سنوات، بإسقاط ترشيح صبراوي. لكن ماذا لو «اقتيد» الجميع إلى الصناديق؟ منذ عام 2010، زاد عدد المترددين إلى دارة آل الخليل بعدما كان أنصارهم يسترقون التواصل تحت جنح الظلام تجنباً لنقمة أمل. استغل حكام صور القدامى الأزمات المالية والخدمية للحركة، وفتحوا حضنهم لمن يريد خدمة أو مساعدة في وظيفة أو طبابة أو قضاء، مانحين الأولوية للمحسوبين على أمل. القلق الذي كانت تشكله العائلة قبل ست سنوات، زاد ولو بنسبة قليلة، فارضاً هاجس الخرق المعنوي على الأقل. والعائلة جاهزة للمنازلة والثأر.

في حديث إلى «الأخبار» لمح السفير السابق خليل الخليل إلى التحضير لخوض الانتخابات من خلال مرشحين تدعمهم عائلته. «هناك حاجة عند الناس إلى تغيير الوضع القائم» قال. لكن الخليل فضّل التريث بالتصريح عن خطة العائلة. «بكير لأن نتحدث عن قراراتنا. فلننتظر لنر نيات الآخرين ولنتأكد من أن الانتخابات حاصلة عالأكيد»، علماً بأن العائلة التي أفل نجمها في مسقط رأسها بعد عام 1982، استعادت حضورها للمرة الأولى في انتخابات 2004 البلدية عندما خاضت المعركة مع حزب الله، في حلف كاد أن يهزم أمل في صور، وهزمها في شحور. لكن الأكيد أن آل الخليل ما كانوا ليتمكنوا من خوض المعركة من دون قوة حزب الله. والدليل على ذلك، ما جرى عام 2010، عندما عجزوا عن العثور على مرشحين يكسرون التزكية بهم.