Site icon IMLebanon

جریمة اغتیال سیاسي هزّت طرابلس أبو عثمان مرعب قبل اغتیاله: وصیتي لكم الجیش

 

شهدت طرابلس یوم السبت 24 تموز 2021 جریمة اغتیال للشهید عامر عبد الرزاق مرعب ورفیقه محمد زكي عمران في عملیة احترافیة تذكّر بعملیات الاغتیال التي شهدتها المدینة في فترة الثمانینات، عندما استهدفت المخابرات السوریة ومیلیشياتها قیادات المدینة، وعلى رأسهم الشهید خلیل عكاوي (أبو عربي)، وآخرین قام النظام السوري بإفراغ المدینة منهم، ومن حضورهم وتأثیرهم ووعیهم السیاسي، الإسلامي والوطني.

 

أبو عثمان مرعب: مسیرة من النضال في وجه النظام السوري

 

على هذه الخلفیة جاء اغتیال المرحوم عامر عبد مرعب (أبو عثمان) وهو الشخصیة المعروفة بنضالها ضد النظام السوري خلال وجوده العسكري وخروجه من لبنان بسبب مطاردة المخابرات السوریة  له كونه كان من مقاومي هذا النظام في طرابلس والشمال، فغادر إلى العراق حیث مكث هناك حتى تاریخ الغزو الأمیركي.

 

كان مرعب من أبرز المتطوعین العرب الذین خاضوا المعارك ضد قوات الاحتلال الأمیركي عند غزوها للعراق، وسطر في «الأعظمیة» ملحمة شهیرة، بعد أن كان قد خضع لدورات ذات مستوى رفیع، واكتسب خبرات كبیرة، سخّرها في مواجهة العدو الإسرائیلي في «جل البحر» حیث برز اسمه كواحد من أبرز الذین أداروا تلك المواجهة.

 

العمل من أجل الاستقرار

 

استعاد أبو عثمان مرعب حیاته الطبیعیة واستقرّ مع أسرته على التصاق بالناس، فهو اختار المكوث في المناطق الشعبیة، وكان حضوره فیها وازناً وله احترامه وكلمته المسموعة، لأنّه كان یتعامل مع أهلها بروحیة الاستیعاب والمساندة، وكان همه الأول توعیة الناس وتحذیر الشباب من التهوّر، ولطالما كان یستعرض التجارب التي خاضها هو من عرفهم لیخلص إلى التأكید على ضرورة التكاتف والتعاون ونبذ الخلافات العصبیة، والالتجاء الدائم لخیار الدولة، الذي رغم كلّ نواقصه، یبقى الأفضل، ولهذا كان في الأشهر الأخیرة یكثّف حركته بشكل لافت ویرفع وتیرة حواره مع شباب المناطق الشعبیة، وكأنّه كان یستشعر بوجود خطب قریب، خاصة أنّه تلقى تهدیدات تشیر إلى الانزعاج الكبیر من حركته في طرابلس.

 

خیارنا الصبر للحفاظ على طرابلس

 

قبل أیام كان عامر مرعب (أبو عثمان) ورفیقه زكي مقصود (أبو داوود) یخوضان نقاشاً محتدماً مع أكثر من 300 شاب من شبان محلة القبة في طرابلس اجتمعوا في نقطة «الریفا» المتاخمة لجبل محسن والمعروفة كإحدى نقاط التماس والاشتباك سابقاً بین الجبل والقبة.. كان النقاش بین مرعب ومقصود وأعضاء في «اللقاء الشعبي» بهدف تصویب حالة الاحتقان والغضب لدى شبان المنطقة ومنع تحوّلها إلى صدامات عنیفة أو مسلحة، في وجه الجیش أو الناس، فعلا صوت أبي عثمان وارتفع وتحدّث بلهجة حادة وقاسیة حتى وصل به الحال إلى القول إننا نحن الطرف الأضعف في أفقر وآخر مدینة سنیة صامدة على ساحل البحر المتوسط، فلا تسقطوها في الفوضى وتقدموها للأعداء على طبق من جنون!

 

وصیتي لكم الجیش.. فحافظوا علیه

 

ذكّر أبو عثمان الذي كان أحد أبرز وجوه تنظیم «جند لله»، الحاضرینَ أنه خلال معارك طرابلس مع جیش النظام السوري جرى الاتفاق على أن یقوم الجیش اللبناني بإنشاء نقطة للفصل بین المقاتلین في المدینة وبین القوات السوریة، فقام بعض هؤلاء بمهاجمة الجیش وفرضوا علینا المعركة بالإكراه، داعیاً إلى التنبه من تكرار الأخطاء نفسها.

ad

 

شرح مرعب قائلاً: نحن في لبنان، نعیش كمجموعة طوائف، لا أحد باستطاعته إلغاء أحد، ولیس بوسع الجیش أن یقوم بانقلاب، الحل الوحید أن نتضامن فیما بیننا، وخاطب الشبان قائلاً: إذا أطلقتم النار فلن تحصلوا على الحلیب لأطفالكم ولن تحصلوا على الدواء لأمهاتكم ولو أحرقتم مدینتكم كلها، فإنّ القابعین في مراكز السلطة لن یأبهوا بذلك أبداً، وهناك من یرید أن یبدأ انهیار لبنان من طرابلس، فلا تنساقوا إلى الفخّ بأرجلكم، ولماذا نقدم هذا النموذج ونحن مفلسون لا نملك قوت یومنا، فاتركوا الجیش لیقوم بواجبه في حمایتنا حتى لا نندم، فحافظوا على هذه المؤسسة وإیاكم وضربها والضغط علیها، فهذا سیؤدي إلى سقوط طرابلس في الفوضى الشاملة، مع انعدام أي دعم أو إغاثة من الخارج.

 

كرّرها مرعب مراراً وكأنها كلمات وداعه لمن یخاطبهم ولأهالي طرابلس: كرمى یا شباب انتبهوا لما تقدموا علیه ولا تتورطوا فنحن الحلقة الأضعف وأنا أقول هذا الكلام حتى أبرأ إلى لله في المستقبل!

 

اغتیال أبو عثمان مرعب جریمة خطرة، لا تخرج عن إطار الاستهداف السیاسي، الذي یحمل بصمات الممانعة، ومع دخول التحقیق أیامه الأولى، ینتظر أهل طرابلس كشفاً سریعاً لهذه الجریمة، التي لا یمكن فصلها عن ما سبق أن شهدته المدینة من استهداف لمن یشكلون صمامات أمان فیها، وكان عامر رحمه لله من أصدق من عملوا للاستقرار والأمان فیها.