يوم قرّر الياس المر مواجهة الارهاب الذي كان ينمو كالفطر على أرض الوطن الصغير، لم يضع نصب عينيه مصلحة شخصية أو زعامة، وإنما تحَسّس باكراً خطره على اللبنانيين وعلى الارض التي تحتضنهم بكلّ أطيافهم وطوائفهم ومشاريعهم، فتصدّر أبناء جيله عاملاً على وَأد هذا الارهاب في مهده قبل ان يتفشّى وينتشر.
فالياس المر لا تنقصه زعامة، فهو زعيم ابن الزعيم السياسي ميشال المر، وسليل بيت سياسي عريق له بصماته في الحياة السياسية اللبنانية. ولا تنقصه الجرأة وهو جريء ابن جريء، وشجاع ابن شجاع، لا يخشى في الحق لَومة لائم.
والمصلحة الشخصية عنده مُسخّرة لمصلحة الوطن، وينظر الى عائلته الصغيرة نظرته الى العائلة اللبنانية الكبيرة. والخطر الذي يَستشعر انه يهدد عائلته إنما يراه تهديداً لكل العائلات اللبنانية، وهو يقول دوماً انّ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وأيّ خطر يتهدده لا يمكن أن يستثني فئة من اللبنانيين من دون أخرى، فكيف اذا كان ذلك الخطر المتأتّي من جماعات وقوى يحكمها فِكر أسود تنكر الآخر وتُكفّره في دينه ومعتقده؟ بل تريد إلغاء هذا الآخر ليكون لها كل السواد، ومن لا يملك إلّا السواد لا يمكن ان يُبقي للآخر حياة.
الياس المر بهذه العقلية الجريئة وبالشجاعة الاقتحامية التي يَتّصِف، إستَلّ السيف باكراً وشَهره في وجه الارهاب، فكان أوّل من أمسك بخيوطه الى درجة انه تعرّف عن كثب وقُرب الى الفكر الارهابي ومعتقداته، فكان مقاتلاً له في الميدان، ومُحققاً او مُستمعاً الى ما قاله إرهابيّون وَقعوا في قبضة الدولة يوم كان وزيراً للداخلية، ثم يوم كان وزيراً للدفاع الوطني، وأدركَ المخططات السود ضد الوطن وأبنائه، وأمسكَ بفيض من الخيوط والمعلومات عنها، وشَنّ حملة عليها في كل الميادين والساحات لا تزال محور حديث الجميع، إذ كلما حصل هجوم إرهابيّ يتبيّن لمَن يحقّق فيه أنه يعود في خلفيّاته وأصوله الى تلك المخططات التي اكتشفها الياس المر باكراً وعمل على إحباطها بقوة، غير آبه بسَيل من التهديدات لحياته وحياة أفراد عائلته، مُقتنعاً بأنّ ما يقوم به هو حماية للبنانيين بجميع عائلاتهم وعلى اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية.
وبمقدار ما كان ذلك الصباح التمّوزي المشؤوم عام 2005 أليماً بأن جعلَ من الياس المر شهيداً حياً عندما طاوَلته يد الغدر الإرهابي، بمقدار ما كان شهادة ناصِعة للياس المر في انتصاره على الارهاب الذي وجدت فيه الغرف السوداء التي تديره ما أحبَط ويُحبط مخططاتها الغادرة التي تستهدف الوطن وسيادته واستقلاله.
ولأنّ معركته ضد الارهاب معركة حق كانت العناية الإلهية حليفة الياس المر، فنجا بأعجوبة إلهية، وخرج من التفجير أقوى إرادة وأصلبَ تصميماً على المضيّ في مكافحة هذا الارهاب، ولم تُعِقه الجروح في الجسد عن الاستمرار في حمل راية للدفاع عن وطن آمَن به وطنَ سلام وحرية وكرامة وعنفوان وإباء وعدالة، وطناً عاتياً على العتات، وطن الأنوار المُشعّة، لا وطن الظلمات الحالكة.
لم يَنل التفجير من ارادة الياس المر وصلابته، بل أبقاه عاملاً بدأب على مكافحة الارهاب، فكانت الحرب على الارهاب في نهر البارد عام 2007 إنجازاً آخر له في مواجهة القتلة، والجميع يسجّل له جهوده وتضحياته الكبيرة التي مَكّنَت الجيش اللبناني من حَسم المعركة مُقدِّماً مئات الشهداء والجرحى على مذبح الوطن.
وعلى رغم قلّة الوفاء لدى البعض، والغدر، ولَو بالكلام، لدى البعض الآخر، بقيَ الياس المر على عناده مؤمناً بقدسية المعركة التي يخوض وعدالتها، فهي بالنسبة اليه معركة من أجل حياة آمنة ومستقرة لجميع أبناء الوطن.
ويُسجّل كثيرون للياس المر أنه خرجَ من كل معاركه ضد الإرهاب شامخاً مرفوع الرأس، وبلغت نجوميته العالمية، فاستحَقّ بجدارة رئاسة مؤسسة الانتربول الدولية التي انقادَت اليه، وهو يتابع من خلالها معاركه ضد الارهاب العالمي وذلك العابِر للقارّات بكلّ صنوفه من دون أن ينسى لبنان، الذي له حصّة دوماً في كل إنجاز يُحقّقه، فهو يكافح الارهاب الأمنيّ مثلما يكافح الارهاب المصرفيّ وغير المصرفيّ، إذا جاز التعبير.
لقد أرادَ القتلة من تاريخ 12 تموز المشؤوم أن يأخذوا به الياس المر الى العالم الآخر لإسكات صوته، لكنّ الياس المر حَوّله تاريخاً مجيداً ونِبراساً لكلّ من يريد مكافحة الارهاب، فانتصر بدمه على سيف الغدر الذي امتَدّ اليه. وها هي الآن المعركة التي يخوضها الجيش وجميع المخلصين للوطن ضد الارهاب تَستَند في خططها وأدبيّاتها الى ما كان اختَطّه الياس المر بدمه ولا يزال على هذا الطريق.
فقِوى الظلام والتكفير التي واجَهها الياس المر باكراً تجاوَزت حدود لبنان وباتت تهدد المنطقة برمّتها، ولا يزال المر يرفع الصوت في كل مناسبة، مُحذّراً من مخاطرها، آملاً في ان يَتّحِد اللبنانيون أكثر فأكثر في مواجهتها، لينجو لبنان منها بجميع أبنائه، وآملاً في ان تَتحِد شعوب المنطقة للقضاء على هذا الارهاب واقتلاعه من جذوره. إذّاك، يتحقّق الربيع الحقيقي للبنان ودول المنطقة، لا «الربيع» الذي ترعرَع فيه إرهاب لم يُفرّق بين مسلم ومسيحي، قتلاً وتهجيراً وسَبياً وتنكيلا…
في الذكرى العاشرة لجريمة 12 تموز 2005، الياس المر الى مزيد من التألّق… والإرهاب الى مزيد من الأفول.