Site icon IMLebanon

موسى الصدر: المنقذ والضحية

الحديث عن الإمام موسى الصدر هو دائماً حديث عن الأمل والمحبة والثقة بالإنسان وبالمستقبل. حديث عن الوحدة الوطنية ورسالة لبنان والقيم الإنسانية الجامعة بين المكوّنات المتعددة للمجتمع اللبناني الواحد. وهو دائماً واساساً حديث عن الوحدة بين المسلمين والعمل من أجلها، وايضاً، حديث عن الحوار الاسلامي ـ المسيحي وعن أسس وقواعد العيش الواحد، وعن فلسفة الوحدة في التعدد تأسيساً على قاعدة الإيمان بالله الواحد.

وفي يقيني أن ما من شيء أحب الى الامام المغيب من أن يجري إحياء ذكرى اختطافه وتغييبه في حرم كنيسة من كنائس لبنان، وهو الذي شق الطريق أمام أئمتنا وعلمائنا الى منابر الكنائس منذ أن اعتلى هو نفسه منبر كنيسة الكبوشية في قلب بيروت. فسنّ بذلك سنّة حسنة، وأرسى قاعدة لأسلوب روحي في مقاربة القضايا الوطنية.

في عام 1971، ألقى الإمام موسى الصدر محاضرة في الندوة اللبنانية قال فيها: «نحن في لبنان، في هذه الواحة النموذجية، في هذه القطعة التي تمثل بيت الأسرة البشرية، نحن الآن، ومن خلال تجاربنا التي يتجاوز عمرها عمر الحضارات القائمة بأجمعها، نحن هنا ومن خلال وضعنا الخاص، نتمكن بكل سهولة أن نعبّر عن هذه الرسالة الإلهية السامية».

وفي عام 1997، عندما زار البابا الراحل يوحنا بولس الثاني لبنان لإعلان «وثيقة الإرشاد الرسولي»، وصف لبنان بأنه أكثر من دولة، إنه رسالة.

إن التقاء أكبر مرجعيتين دينيتين، إسلامية ومسيحية، الإمام موسى الصدر والبابا يوحنا بولس الثاني، على وصف لبنان بأنه رسالة، وعلى أنه رسالة إلهية سامية، يلقي على اللبنانيين، جميع اللبنانيين مسؤولية الارتفاع إلى مستوى هذه الرسالة. ومن تجليات ذلك مثلاً اعتبار أي مأساة تحلّ بأي جماعة دينية أو وطنية، وكأنها مأساة تصيب كل جماعات الوطن. فمأساتنا بتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه ليست مأساة إسلامية فقط، ولكنها مأساة مسيحية أيضاً. وهي مأساة وطنية بكل أبعادها ومعانيها.. بل وإنسانية أيضاً.. وكذلك الأمر بالنسبة لاختطاف المطران يوحنا اليازجي.

ومن تجليات ذلك أيضاً أن تقرّر حركة أمل ورئيسها الاستاذ نبيه بري تنظيم الاحتفال بذكرى الإمام المغيب ظلماً وعدواناً في كنيسة مطران مغيّب ظلماً وعدواناً. وفي ذلك تأكيد واقعي على أن عدوّنا واحد، وهو الارهاب التكفيري. وان خلاصنا واحد وهو إعادة بناء مجتمعنا على قاعدة الحب والاحترام وانتزاع حقوقنا من بين براثن الإرهابيين، كل الإرهابيين، اليوم وقبل مئة عام.

كان الامام موسى الصدر يعتقد ان «القرن المقبل ـ القرن الحادي والعشرين ـ سوف يحتوي على أفضل الصيغ لاحترام الحضارات والثقافات ولخلق التفاعل التام المتكافئ بينها.. وكان يعتقد ايضاً ان لبنان سوف يكون النموذج الواقعي لهذا المستقبل الذي نحلم به.

ولكن القرن الحادي والعشرين بدأ بنظرية صراع الحضارات لا باحترامها.. ووصل هذا الصراع إلى حد اتهام الإسلام، دين السماحة والسلام واحترام الكرامة الإنسانية، بأنه دين الإرهاب بسبب ارتكابات شرذمة من الضالين الإرهابيين منتحلي الصفة الإسلامية. أما لبنان النموذج الواقعي وصاحب الرسالة، فإنه غارق مع الأسف في تفاهات الصراعات في السلطة وعليها، حتى أن ضوء رسالته لم يعُد ينير ولو مساحة صغيرة من ظلمة النفق الذي تمر به المنطقة العربية.

لقد تصوّر الإمام الصدر لبنان، وعمل حتى يكون «ندوة الحوار الإسلامي – المسيحي، وقاعدة اللقاء الأوروبي العربي، ومختبر التفاعل الحضاري، وواحة التجربة العالمية الناجحة».

فأين نحن من هذا التصور الوطني والإنساني الراقي؟ من أجل ذلك، فإننا في ذكرى تغييبه ندرك جيداً، أنه تغييب لهذا التصور، وتعطيل لهذا الدور وتشويه لهذه الرسالة.

من أجل ذلك، نستطيع أن نستعيد الامام المغيب عندما نستعيد هذا الدور. ولكننا لا نستطيع أن نستعيده ما لم نرتفع الى مستوى أخلاقياته الإنسانية والدينية والوطنية. ولذلك ستبقى ذكراه أذاناً يُرفَع، وجرساً يُقرَع، للدعوة الى الصلاة الى الله الواحد من أجل أن نكون مسلمين ومسيحيين، في مستوى لبنان الرسالة التي يحتاجها عالمنا العربي.. ويحتاجها العالم أجمع.

(&) الأمين العام للجنة الحوار الاسلامي ـ المسيحي