طمأننا الأمين العام، في خطبه العاشورائية، الى أن الخطر الاسرائيلي على حياته لم يعد قائماً: خاطب جمهوره علناً، وليس لبضع دقائق، كما فعل سابقا، بحجة أن وصول طائرة اسرائيلية الى مكانه، أو استهدافه بصاروخ من فلسطين المحتلة، يستلزمان 10 دقائق، على أقل تقدير.
ربما في ذلك ما يفيد ان التنسيق الروسي – الاسرائيلي– الايراني – الأسدي، يشمل “لجم” العدوانية الاسرائيلية تجاهه، وإلا علامَ “التمادي” في “الظهور”، بينما لم يتغير، علناً، أي معطى في المواجهة الأبدية الموعودة مع “العدو الاسرائيلي”، بدليل تحية الأمين العام نفسه الى “المجاهدين في المقاومة المرابطين على الحدود الفلسطينية”، أي على حدود القرار 1701، الذي يفيد مضمونه، وتطبيقه، أن الحرب مع العدو انتهت الى غير رجعة، الا اذا أمره الولي الايراني بإدخال لبنان في مغامرة مدمرة جديدة، كما في 2006، أو اذا قرر العدو التمرد على القرار الدولي بأي حجة، ولو واهية، كما في اجتياح 1982.
في الوقت نفسه أوحى زي الأمين العام، بأن الخطر المحتمل عليه، هو من عملية اغتيال، أو تفجير مباشر، بدليل الحماية الشخصية له، والدرع الواقية التي يرتديها.
في ظلال الأمرين، لم يفعل الأمين العام سوى الاستمرار رأس حربة ايرانية في المنطقة، والداخل: أصرّ على فتح النار على الجميع، في إطار تأصيل المذهبية، واستنفار الجمهور. ومن يعد سماع الخطب، أو يقرأ نصوصها، يتوهم أن الخطيب يتصدى لدور قوة دولية عظمى، تحار عين عنايتها على من تركز، وبأي عدو، أو قضية تهتم: “أساحات القتال في سوريا”، أم “الحرب التكفيرية” أم “حجاج منى” و”آل سعود”، أم “نتنياهو وجد جده”، أم “الإخوان العراقيون الذين يراهنون على أميركا”، أم “الشعب اليمني” أم “البحريني”، أم الأزمة اللبنانية ومعها من ينفرد في اعتباره “الممثل الحقيقي للشعب”.
تنويع الخصوم ليس سوى تعبير عن مأزق مع القاعدة الشعبية، التي اعتاد الخطيب شد عودها، حين تبدأ تأففها مما وصلت إليه الأمور، فيشيطن الأعداء، وينشط العصب الديني – المذهبي، ويستوهم دنو الخطر من كل اتجاه. لكنه، وللمرة الثانية في تاريخ خطبه، يدافع عن علاقته بايران، ويبررها بالقول: “نحن سادة عند الولي الفقيه”. السبب أن القاعدة الشعبية لحزبه باتت تتساءل: إن كان يدين الآخرين بتهمة “العمالة” والخضوع لسياسة هذه الدولة أو تلك، فما هو توصيف علاقته بطهران، وهو القائل إنه ينفذ ما يطلبه وليه الفقيه الإيراني بلا احتكام إلى منطق أو قانون أو دستور؟
لم تكن ذكرى عاشوراء مناسبة استقواء كما يتوهم السامع للوهلة الأولى. كانت لحظة استجداء التفاف بعضلات الوهم. وهو، منذ 2006، لم “يظهر” على جمهوره إلا في لحظة أزمة علاقة معه. وما “تنويع الأعداء” إلا من المقتضيات.