تواجه حركات «الإخوان المسلمين» في المنطقة ظروفاً صعبة في هذه المرحلة تشبه الى حد بعيد المرحلة التي عاشوها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولو مع بعض الفوارق والمتغيرات.
ففي تلك المرحلة خاض «الإخوان» حرباً قاسية ضد النظام الناصري والتيارات القومية واليسارية، وانتقلت قياداتهم الى دول الخليج، وخصوصاً السعودية، للحماية والحصول على الدعم. لكن «الإخوان» يواجهون حالياً حملة قاسية من السعودية والإمارات ومصر، ما اضطر معظم قياداتهم للانتقال الى دول اوروبية وتركيا، واحتضنت بعضهم قطر، ولكن يبدو ان هذه الدولة الخليجية الصغيرة بدأت تحاصرهم وتطلب منهم مغادرة اراضيها. بسبب الضغط السعودي المتزايد.
وفي لبنان، وإن كانت «الجماعة الإسلامية» لا تواجه ضغوطاً سياسية وأمنية ولا تزال تتمتع بقدرة كبيرة من حرية العمل والنشاط، لكنها تواجه تحديات أخرى في ظل انتشار التيارات السلفية والجهادية والحركات المتشددة، مع حرص قيادات «الجماعة» على التمسك بمواقفها الوسطية.
اما علاقات «الجماعة» وحركة «حماس» و«الإخوان» عامة مع «حزب الله» وإيران، فهي ليست على ما يرام، بالرغم من كل الجهود التي بُذلت من اجل عودة الحوار بينهم، وخصوصاً في ضوء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.
وبرغم حرص إيران و«حزب الله» على استمرار العلاقة مع «حماس» واستمرار التواصل مع «الإخوان»، فإن مواقف بعض قيادات «الجماعة» وكذلك ما جرى في المؤتمر الأخير لـ«الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين»، والمواقف الأخيرة لرئيس المكتب السياسي في «حماس» خالد مشعل بعد انتهاء حرب غزة، كل ذلك اوجد حالة من الاستياء والغضب لدى قيادات «حزب الله» والمسؤولين الإيرانيين. كما ادى الى وجود حالة من انعدام الثقة بين الطرفين.
وتزامن ذلك مع استمرار البعض في «الإخوان»، بمن في ذلك «الجماعة الاسلامية» في لبنان، بشن حملة قاسية ضد «حزب الله»، وصولا الى وضع «الخطر الايراني» بموازاة الخطر الصهيوني و«داعش» من دون أن تبادر قيادة «الاخوان» او «الجماعة» الى توضيح الأمر.
وبرغم الإدانة الخجولة من جانب «الجماعة» و«الاخوان» لما تقوم به «داعش» وأخواتها من ممارسات، فإن مسؤولي «الجماعة» في لبنان وخصوصاً النائب عماد الحوت و«هيئة علماء المسلمين»(«الجماعة» عضو فيها») يكررون اتهامهم لـ«حزب الله» بأنه المسؤول عن «داعش».
وبرغم الحملة التي تشنها السعودية ضد «الاخوان» في المنطقة، ثمة من يراهن من قيادات «الجماعة» و«الاخوان» على تحسن هذه العلاقة. وفي مصر، وبرغم المراجعة الداخلية التي يجريها قادة «الاخوان» للتجربة الماضية، فإن صراعهم مع نظام السيسي يتصاعد. وفي ليبيا أيضاً، يستمر الصراع بين «الاخوان» ومعارضيهم. وأما في قطاع غزة الذي يواجه معركة سياسية ومالية وإعمارية صعبة بعد انتهاء الحرب، فمن غير الواضح كيف ستواجه «حماس» المعركة الجديدة لحماية دورها ومكتسباتها الميدانية في ظل ما يحيط بها من ظروف صعبة. ولعل تونس هو البلد الوحيد الذي نجح فيه «الاخوان» حتى الآن في ادارة العملية السياسية، وذلك بفضل الاستفادة من دروس الدول الاخرى، وكذلك الدور الاصلاحي الذي يلعبه راشد الغنوشي زعيم حركة «النهضة».
ووفق أحد الخبراء الاسلاميين، «ثمة حاجة لأن يكون «الإخوان» أكثر وضوحاً في مواقفهم وخياراتهم السياسية والإستراتيجية، وبات الامر يتطلب خطوات عملية، وإلا لن يبقى هناك ملجأ لقيادات «الإخوان» سوى في بعض العواصم الاوروبية وتركيا الدولة العلمانية بامتياز والتي نجحت فيها قيادات تحمل نهجاً إسلامياً معتدلاً بالاستفادة من ديموقراطيتها وعلمانيتها وانفتاحها، من اجل اعادة تظهير الدور الإسلامي والإخواني في المنطقة».