IMLebanon

«الإخوان» يستخفون بذكاء المصريين

في ذروة الأزمة الاقتصادية في مصر، يتدخل «الإخوان» لينسبوا الى أنفسهم النطق باسم الشعب الذي يعاني، ويحذرون من «انفجار سيحدث عاجلاً أم آجلاً». وفي بيانهم المعنون «دعوة للتحرك من أجل انقاذ مصر» يصادرون حق المعارضة ويحولونه الى تخطيط لتخريب المؤسسات القائمة، على وعد مؤسسات بديلة تلبي حاجات المواطنين بأمانة يدّعونها، مستندين الى تراثهم في جمعيات خيرية توزع الرز والسكر وأدوات التنظيف على الفقراء.

دائماً يحضر «الإخوان» في المفترقات السياسية والاجتماعية الصعبة ليمنعوا تبلور قيادات مدنية تعارض السلطة سلمياً وتتولى تقديم اقتراحات بناءة لحل المشكلات. ففي بلد كمصر لا يمكن تحميل الحاكم وحده مسؤولية الوضع الاقتصادي الضاغط. انها مسؤولية جماعية للحكم وللمواطنين بنخبهم الأهلية والدينية. هل يستطيع الحاكم، مثلاً، طرح قوانين لتحديد النسل كما فعل حكام الصين الذين حوّلوا بلدهم من موطن للجياع الى نموذج في التطور الاقتصادي أذهل العالم، ووضعهم في مصاف الدول الكبرى القادرة على إعانة الدول الفقيرة بدل أن يكونوا في عداد طالبي العون؟

وفي ما هو أقل من تحديد النسل، يمكن ان تتعاون القيادات الأهلية والدينية مع الحكم في تنشيط السياحة وإعادة مصر الى موقعها المتقدم على خريطة السياحة العالمية، مع ما يعني من تعزيز العملة الصعبة وتقوية الجنيه وتسهيل استيراد المواد الغذائية الضرورية. والحال ان مواقع السياحة في مصر، باعتبارها أكبر متحف مفتوح في العالم، تتطلب محافظة المصريين على الآثار وتحسين الأماكن المحيطة بها، كما تتطلب وعياً دينياً يطوي الأثر الخطير لأفكار تدعي الاستناد الى الدين لتدمير الآثار، كما شهدنا أثناء الحكم القصير الأمد لـ «الإخواني» محمد مرسي.

ويستخف «الإخوان» بذكاء المصريين حين ينسبون الى المؤسسة العسكرية مجمل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. كأنهم بذلك يجددون وضع الشعب أمام اختيار بين اثنين لا ثالث لهما: إما الجيش وإما «الإخوان». والحال أن المصريين كانوا في هذا الوضع ولا يزالون منذ استيلاء جمال عبدالناصر والضباط المحيطين به على السلطة عام 1954، ورفضهم تأسيس جمهورية ديموقراطية مدنية تستند الى انتخابات ومؤسسات دستورية ذات مرجعية شعبية، وأن يلزم الجيش ثكناته للمحافظة على الحدود ومواجهة الكوارث الاستثنائية. وليس ضرورياً الاسترسال التاريخي في علاقة الإخوة – الأعداء بين القيادات العسكرية و «الإخوانية» التي منعت نمو أحزاب مدنية ذات تمثيل شعبي وازن.

وكانت ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 مفاجئة واستثنائية في كسرها ثنائية الجيش – «الإخوان» وتوجهها الى أفق سياسي جديد. والواقع أن الجيش امتنع عن قمع الثوار وسمح للقوى المدنية بإسقاط الرئيس حسني مبارك ونظامه. وهنا يأتي الدور السلبي لـ «الإخوان» حين التحقوا بالثورة وسخّروا خبرتهم التنظيمية للتسلق نحو قياداتها البريئة، وقرروا ترشيح أحد قيادييهم محمد مرسي للرئاسة، متجاوزين تصريحاتهم السابقة بأنهم لا يطمحون الى قيادة الدولة المصرية.

تلك أحداث لم يطوها النسيان، يظهر خلالها «الإخوان» في صورة خاطفي الثورة المدنية الأبرز للشعب المصري بعد ثورة 1919، وقد دفعوا ثمن خطيئتهم بإسقاط الرئيس «الإخواني» عبر ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 التي أعادت الحكم في مصر الى شكله التقليدي منذ أواسط القرن الماضي: حكم القيادة العسكرية المستند الى برلمان منتخب وحكومة تتولى السلطة التنفيذية.

لن تقوم ثورة مماثلة لـ 25 يناير لأن عبدالفتاح السيسي غير حسني مبارك، فالرئيس المصري يحاول منذ انتخابه ترميم ما تهدم في الاقتصاد والاجتماع والسياسة وله في ذلك نجاحات لا تخفى، لكن الاقتصاد المصري بالتحديد مشكلة كبرى تحتاج الى قوى مدنية تعاون الرئيس باقتراحات، قد تصدر من موقع المعارض الإيجابي وليس من موقع الشامت كما هي حال معارضة «الإخوان». ويبدأ الأمر بالتركيز على إصلاح مصادر الاقتصاد الرئيسية: السياحة والنفط والغاز وقناة السويس والزراعة، يضاف الى ذلك اقتصاد القوى البشرية الذي تنهض به المواهب المصرية في الصناعة والفنون والآداب وعالم الالكترونيات المفتوح.

والمجتمع المدني في معارضته الإيجابية مدعوّ الى مواجهة تدخلات «الإخوان» السلبية، ودفع الحكم الى إصلاح الخطاب الديني بديلاً من دعمه السلفيين للاستقواء على «الإخوان». وبإصلاح الخطاب هذا تنقذ مصر نفسها من نزعات التخلف والعدوانية العمياء، وتقدم، كعهد العالم العربي والإسلامي بها، نموذجاً في العلاقة الصحيحة بين الإيمان الإسلامي ومتطلبات عيش البشر وكرامتهم.

يتدخل «الإخوان» في الشأن العام بطريقة خاطئة دائماً، من حيث عداؤهم الحاد للحكم واستهتارهم بذكاء المحكومين واستغلالهم حاجة الفقراء الى الضروريات. هذا التدخل علامة على تراجع «الجماعة» المدعوة بدورها الى ثورة على الذات بدل التعدي على المجتمع المصري بادعاءات ثورية صاخبة وأنانية في آن.