هل بدأ حصار الجماعة الإسلامية يُفكّ بالمطرقة السعودية بعدما عاش فرع الإخوان المسلمين في لبنان أحلك أوقاته في السنوات الأخيرة إثر سقوط حكم الرئيس محمد مرسي في مصر وقبل أن يتحقق «حلم» إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا؟
سلّ الحلفاء أيديهم من «الإخونجية»، ضحايا «الربيع العربي». في لبنان، حاولت الجماعة الاسلامية، الفرع اللبناني لـ«الإخوان»، التعلق بقشة حليفها الأول، تيار المستقبل. تخبّط التيار الأزرق لم يكن أقل من تخبّط الجماعة. ولكن، في الأيام الماضية، استعادت الجماعة بعض أنفاسها. رفعت يديها مناجية الابتهالات الآتية من مكة المكرمة، علّها ترفعها مجدداً إلى مصافي المرضي عنهم. فـ«المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب»، الذي عقد الأسبوع الفائت في مكة، وجّه دعوة إلى الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، علماً بأن دولة الإمارات، حليفة السعودية، كانت قد شنّت حملة عنيفة على القرضاوي، وصنّفت اتحاده منظمة إرهابية. القرضاوي المقيم في قطر لم يحضر شخصياً بل أوفد أحد المقربين إليه، الأمين العام للاتحاد الشيخ علي القره داغي الذي التقى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز على رأس وفد من الاتحاد.
أسباب الإثارة التي رافقت مشاركة القره داغي لم تنته. فقد وزعت صورة له وهو يرفع بيده شعار إخوان مصر «رابعة» بينما كان يجلس بجانب مفتي السعودية. إلا أنه سارع إلى نفي الخبر والتبرّؤ من الصورة.
تداعيات مشاركة القره داغي لم تنحصر في الخليج فحسب. الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين في العالم تنتظر مد اليد السعودية إليها بعد أن تقطّعت بها السبل. في لبنان، تنتظر الجماعة أيضاً. يتلقف بعض قادتها ما قاله وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل: «إننا لسنا على عداء مع كل الإخوان المسلمين. بل مشكلة السعودية مع إخوان مصر وتركيا والخليج». والإخوان المسلمون «شاطرون» في فك الساحات. ينقل مصدر عارف بأمورهم أن فرع لبنان يعتمد هذه «الصيغة» في هذه الفترة. «ترك الخيارات للساحات في اتخاذ المواقف التي تراها مناسبة». في هذا الإطار، يذكّر بتجربة الإخوان في الأردن الذين وقفوا ضد التدخل الأميركي في العراق في وقت شارك فيه «إخونجية» العراق أنفسهم في الحكم في ظل الاحتلال الأميركي.
شعار المرحلة:
الفصل بين الساحات في اتخاذ المواقف المناسبة
داخلياً، لا تسكت الأصوات التي تهاجم حزب الله وتدخّله في سوريا وتعدّه خصماً سياسياً، في حين أن رفيقة الجماعة، حركة حماس، تتحالف مع خط المقاومة وتستكين في كنف الحزب. يرى المصدر أن هذه السياسة الازدواجية «ليست براغماتية، بل دليل على عدم المبدئية، وتقديم المصلحة على المبدأ».
في لبنان، النماذج فاقعة. لا يملّ ممثل الجماعة في البرلمان النائب عماد الحوت من تحميل حزب الله مسؤولية خراب لبنان ومشاركته في «قتل الشعب السوري المظلوم». زميله، المسؤول السياسي في الجماعة في صيدا، يلاقيه بمواقف أكثر تشدداً، ليتوّج الشيخ أحمد العمري هذه المواقف بما يشبه فتوى ضد الحزب. وسط كل هذا الصراخ، يرسل الأمين العام للجماعة إبراهيم المصري، عبر قياديين في حماس، رسالة من تحت الطاولة إلى قيادة الحزب، يطلب إعادة فتح القنوات السياسية التي أغلقتها مواقف الجماعة من «الربيع العربي». المصدر لفت إلى أن الحزب استمهل في تحديد موعد اللقاء وإحياء لجنة التواصل المشتركة التي كانت قائمة بين الحليفين السابقين، علماً بأن المصري لا يزال يتواصل مع قياديين في الحزب في إطار الصداقة الشخصية بينه وبينهم وفي المناسبات الاجتماعية.
تعلق الجماعة الآمال على العودة إلى موقعها السنّي القديم. سياساتها الأخيرة ضيّعت تصنيفها: حركة معتدلة، أم متطرفة، أم 14 آذار، أم…؟ لن تستطيع مواجهة طغيان المستقبل في الساحة السنية في وقت لا تقدر فيه على معاندته وهي تقرّ بتبعيتها له المجمّلة شكلاً باسم «الحليف». يشير المصدر إلى أن الجماعة «في حالة تخبّط. تخشى أن يسبقها المستقبل الى تفاهم مع الحزب، في حين أنها لا تملك الجرأة على التصريح علانية بأمانيها بالعودة إلى أحضانه، ومصرّة على عدم لجم المواقف العالية السقف».
وإن قبل الحزب، هل تتقبّل قاعدة الجماعة عودة المياه إلى مجاريها معه؟
في هذا الإطار، ينبري «أبو عمر» (إبراهيم المصري) ليشكل ضمانة لعدم الانقلاب عليه فيما لو اتخذ القرار. برغم سنّه المتقدمة ومرضه، إلا أن أحد مؤسّسي الجماعة لا يزال قابضاً على قرار المكتب السياسي بيد حديدية. في الأساس، ليس رجل إعلام ومنابر، بل رجل ظل، لذلك «يظن كثيرون أن التوجه العام يمثله الحوت أو حمود أو العمري». وكان لافتاً البيان الأخير للمكتب السياسي للجماعة قبل حوالى أسبوع. للمرة الأولى كان صريحاً في تسمية «داعش» وانتقادها واعتبارها تشوّه صورة الإسلام.
وما دام الحزب غير جاهز لمصافحة الجماعة حالياً، فيما المستقبل مشغول بأولوياته، ماذا تنتظر الجماعة؟ إلى تباشير السعودية، لا ينقطع التنسيق الكامل مع «إخونجية» تركيا. بحسب المصدر، العلاقة مفتوحة مباشرة أو عبر وسطاء على رأسهم الرئيس فؤاد السنيورة. «لكنّ بقاءهم وسط هذا التذبذب سيجعلهم الخاسر الأكبر».
بسقوط حكم مرسي، تشتتت قيادة التنظيم العالمي الموحّد للإخوان المسلمين. كل ساحة باتت تجتهد وفق معطياتها التي أدت أحياناً إلى نتائج فاشلة أيضاً. هنا، يتم التذكير برئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي الذي فاز في الانتخابات عام 2011. ورغم أن «الربيع العربي» وخريف الحكام أوصله إلى الحكم، لكنه ينادي بشرعية «أمير المؤمنين» وينحني ليقبّل يد محمد السادس.