IMLebanon

مسلمون ومسيحيون في مواجهة الإرهاب والتسلّط

الشرق العربي بمسلميه ومسيحييّه يتعرّض في هذه الأيام العجاف لمحنةٍ وفتنة، ويعاني الآلام والجراحات والدماء والتهجير القسري، والتغيير الديموغرافي، والفتن المتنوعة ما ظهر منها وما بطن، لمصلحة صنّاع القرار في هذا العالم الذي يفترس وينهب خيرات الشعوب الضعيفة، وبخاصة في هذا الشرق العربي لتحقيق مصالحه، وللحفاظ على كيانٍ صهيونيٍّ تلمودي على أرض فلسطين المباركة.

ونحن كمواطنين في لبنان والبلاد العربيّة، عندما نتضامن مع مسيحيي سوريا والعراق ومع مصر وشعبها، لِما أصابها من جروح وألمٍ، بسبب ما اقترفته أيادٍ آثمةٍ ومُجرمة لاقترافها جريمة القتل والذبح لعمّال وعاملين مصريين أقباط على أرض رمال ليبيا النازفة بدماء أبنائها. إنما نعني أننا معاً، مسلمين ومسيحيين، نحتضن مسيحيّي هذا الشرق العربي ضدّ الإرهاب والتطرّف والغلوّ، مؤكدين جميعًا أن رفضنا كلّ انواع الإرهاب، نابعٌ من إيماننا بما أنزله الله تعالى على الأنبياء والرُسُلْ الذين حملوا رسالة الإيمان وعبادة الله الواحد الى بني البشر، بقوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة»، وقوله تعالى: «ولقد كرّمنا بني آدم» صدق الله العظيم.

فالإنسان مكرّم من الله أيًّا كان، ومهما كان، ولستُ أدري مَنْ يدّعون القتال باسم الله، كيف يظلمون ويقهرون ويقتلون ويهجّرون الإنسان الذي كرّمه الله!

نحن معًا في هذا الشرق، مسلمين ومسيحيين، ضحية الإرهاب المنظّم والمُبرمج والموجَّه، وما يحصل للمسيحيين في بعض البلدان العربية هو حلقة من حلقات الإرهاب، الذي عانى منه هذا الشرق بمسلميه ومسيحييه. فلا يمكن الفصل بين الإرهاب الذي تعرّض ويتعرّض له أقباط مِصر في ليبيا، أو المسيحيون في العراق وسوريا.

ولا يمكن الفصل بين هذا الإرهاب الذي يفتك بالأمة بمسلميها ومسيحيّيها وبين الإرهاب الذي مارسه العدوّ الإسرائيلي منذ عام 1948 مرورًا بـ «بحر البقر» و»دير ياسين» و»صبرا» و»شاتيلا» و»غزّة» و»نابلس» و«جنين» و»أم الفحم» وفي كلّ بلدة ومدينة من أرض فلسطين، والإرهاب الذي تعرّض له شعب العراق بمسلميه ومسيحييه نتيجة الغزو الأميركي للعراق، والتمدد الفارسي الشعوبي الى كلّ مفاصل حياة العراق وشعبه ومكوناته.

فالإرهاب لا دين له ولا مذهباً ولا وطناً، وهو مرفوضٌ ومُدانٌ، ديانةً وأخلاقاً وإنسانيةً، سواء كان هذا الإرهاب قوميًّا عنصريًّا أو شعوبيًّا أو دينيًّا تلموديًّا، أو إسلاميًّا مذهبيًّا، أو ارتدى لباساً دينيًّا إسلامياً أو مسيحيًّا. أو سُمّي بـ»داعش» وأخواته أو مثيلاته لدى القوى المتصارعة من هذا الفريق أو ذاك أيًّا كانت دعواته وشعاراته الظاهرة والباطنة.

الإرهاب ماضياً وحاضراً ومستقبلاً يعني القتل والذبح والتهجير وإلغاء الآخر، وهو يتناقض تماماً مع الإسلام عقيدةً وسلوكاً، الإسلام الذي جاء به محمد (عليه الصلاة والسلام). الإسلام الذي قال لمحمدٍ نبيّ الرحمة بأمر من الله «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». الإسلام الذي قال لمحمد نبيّ الخير بأمر من الله «وما أرسلناك إلا بشيراً ونذيرا». الإسلام الذي قال لمحمد نبيّ الإيمان بأمر من الله «لست عليهم بمُسيطر» والذي قال: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». الإسلام الذي قال فيه رسول الله للمسلمين «المسلم مَنْ سَلِمَ الناس من لسانه ويده«.

إذن الإرهاب بضاعةٌ مستوردة ووافدة الى هذا الشرق العربي. ضحاياه أبناء هذا الشرق وأبناء هذه الأمة بمسلميها ومسيحيّيها.

والسؤال الكبير: هل هناك رابط بين تهجير وتفريغ فلسطين والقدس من مسلميها ومسيحييها، وما يتعرّض له مسيحيّو هذا الشرق من مجموعات متطرّفة ومغالية يُرمى لها السلاح من الطائرات، لا تريد أن ترى إلا بعين واحدة، ولا تسمع أو تعقِل سيرة نبيّ الإيمان والرحمة محمد عليه الصلاة والسلام، ورسالة الإيمان والمحبّة التي جاء بها المسيح عليه السلام!!!.

أوطاننا في هذا الشرق وبخاصة العربي منه، هي ساحة ملتهبة، تتصارع عليها ومن خلالها قوى إقليمية ودولية، كلٌّ منها يحمل مشروعاً خاصًّا لنفوذه ومصالحه. بعضها يدّعي الحرص على حقوق الإنسان، ويُوهمُنا بالديموقراطية والحرية والعدالة، وبعضها الآخر يُوهمُنا بتحرير فلسطين وإزالة إسرائيل من الوجود! والنتيجة كانت كما ترون دماءً ودماراً وإرهاباً وتطرّفاً وغلوًّا، وفرزاً مذهبيّاً وطائفياً، وتغييراً لخرائط الدول، ونشر ثقافة الحقد والكراهية، والتلذّذ بالقتل، والتفاخر برفع الأعلام على هذا الموقع أو تلك الناصية، والضحية واحدة هو إنسان هذه المنطقة مسلماً كان أو مسيحياً.

ودعوتنا للخروج من هذا المستنقع الرهيب، هي التمسّك بقيمنا الإيمانية والحفاظ على اوطاننا، والحرص عليها وتحصين الوحدة الوطنية في كل بلد عربيّ، للنهوض بمشروع تضامنيّ تكاملي تصنعه الأمة بجناحيها المُسلم والمسيحيّ، لإيقاف ووقف التدخل الإقليمي والدولي في لبنان، وفي أيِّ بلد عربي، من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي.

ومن أجل ذلك، فإن الوعي والإيمان والصبر والتنبّه هي الوسائل الكفيلة لمنع استفحال ظواهر الغلوّ المذهبي والتطرّف الطائفي والعصبيات التي يستغلها اصحاب المشاريع المتقاتلين على الساحة اللبنانية والعربيّة.

() الأمين العام للمجلس الشرعي الاسلامي الاعلى