يمشي أطفال بلباس «سانتا كلوز» في شوارع منطقة برج البراجنة عند السّاعة الثانية عشرة ظهراً. يمسكون أيدي أمهاتهم المحجبات بيد، ويحتضنون هدية العيد باليد الأخرى. يبدو أنهم خرجوا للتو من مدرستهم التي احتفلت بعيد ميلاد المسيح قبل الانتقال إلى العطلة. من حولهم، تعرض بعض المحال شجرة الميلاد وزينتها. وتمرّ عربات تحمل أكياس الحلوى والزمامير والطرابيش. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا تحتفل هذه المنطقة المسلمة الشيعية، كما تحتفل فئة من المسلمين، بعيد ميلاد المسيح؟
يتزامن عيد ميلاد المسيح مع الاحتفال باستقبال السنة الميلادية الجديدة، ما يضفي صبغة احتفالية على امتداد الشهر الأخير من السنة. ومع أن العيدين يرتبطان بالديانة المسيحية، نجد بعض المسلمين لا يفوّتون الطقوس الاحتفالية وقد تتفوق احتفالاتهم بها على احتفالات المسيحيين أنفسهم، حتى إن بعضهم يحتفلون بميلاد المسيح لكنهم يغفلون ميلاد نبيّهم محمد. فهل يرتبط ذلك بأبعاد دينية أم أنها لا تتعدى فكرة الاحتفال من دون إسقاط الرموز الدينية؟
البحث عن السعادة
عندما تخبر سالي (مسلمة علوية) صديقاتها المسيحيات عن برنامجها الاحتفالي طوال الـ31 يوماً من شهر كانون الأول من «مشاهدة أفلام الميلاد، وضع الشجرة وتزيينها شراء الحلوى»… يفرحن، ويعلّقن: «نحن لا نفعل كلّ ذلك». لا تتوقف سالي عند المعاني والرسائل الدينية، فـ«أنا لا أحتفل بولادة المسيح بل أختتم السنة بفرح وسعادة لأتفاءل بالسنة الجديدة، ولم لم يكن هناك عيد الميلاد لخلقت أجواء احتفالية حتى أبثّ السعادة في نفوس أفراد عائلتي».
تتكرّر هذه الحجّة على لسان مسلمين آخرين، همّهم من الاحتفال بميلاد المسيح البحث عن مصدر للسعادة والفرح، وتصديقاً لما يقوله المثل الشعبي: «كيف السوق منسوق»، يشترون زينة الميلاد لأنها المعروضة بالسوق. عندما تملأ الزينة الأسواق يشعر عبد الرحمن (مسلم، سني) أن العيد يطرق بابه، ينزل الشجرة، ينفض عنها الغبار ويعلّق الأضواء والزينة، و«أحياناً أتركها أكثر من شهر». يتعامل مع شجرة الميلاد على أنها «تحفة ديكور تزيّن المنزل وتبعث طاقة إيجابية»، ومع العيد على أنه «متنفّس من البؤس الذي يحيط بنا».
«ليست أجواءنا»
وطبعاً، تبقى هذه التصرفات فردية ولا تعمّم ما دام المسلمون لا يلتزمون بالمعايير الدينية ذاتها. البعض يجد أنّ هذه الأجواء لا تتناسب معه لما تحمله من أبعاد دينية، فيرفضون «الانجرار وراء المظاهر المسيحية». تربّت راغدة، مثلاً، في منزل متديّن يمارس طقوساً مسلمة سنية. في كلّ عام تطلب من والدها وضع الشجرة كما يفعل أصدقاؤها و«لإسعاد إخوتي الصغار»، فيرفض «لأننا مسلمون». عندما سافر شقيقها إلى بلد أوروبي وأنشأ عائلة «اضطرّ أن يمارس الطقوس الاحتفالية خلال عيد الميلاد حتى لا يشعر أبناؤه أنهم مختلفون عن أصدقائهم، فهم يتحدثون فيما بينهم عن هدية بابا نويل وكيف قضوا فترة الميلاد». أما فاطمة (مسلمة، شيعية) فتقول بعفوية «والدي لا يوافق أبداً على احتفالنا بميلاد المسيح»، تبرّر: «يقول لنا إنه علينا أن نحتفل بميلاد الأئمة الاثني عشر قبل أن نفكر باحتفالات لا تخصّنا».
انفتاح ثقافي
لأستاذة الأنثروبولوجيا في الجامعة اللبنانية ليلى شمس الدين أكثر من تفسير لاحتفالات المسلمين بميلاد المسيح. ترى أن «عيد الميلاد يأخذ طابعاً عالمياً عن طريق التغطية الإعلامية وتنظيم المسابقات وتعليق الزينة في الأرصفة يقصدها السيّاح، ما يؤدي إلى الانفتاح الثقافي والديني داخل المجتمعات»… وتشير إلى «دور أساسي للبيئة التي ينشأ فيها الفرد: مكان السكن، المؤسسات التعليمية، أماكن العمل، والأماكن العامة التي تمارس طقوساً ثابتة خلال فترة الميلاد، ينتج عنها استجابة للأجواء الاحتفالية من أجل الترفيه عن النفس فيكون بذلك العيد مناسبة».
طابع عيد الميلاد عالمي ما يؤدي إلى الانفتاح الثقافي والديني داخل المجتمعات
ما إن دخلت جود المدرسة ذات النظام المسيحي حتى أدخلت الثقافة المسيحية إلى منزل عائلتها المسلمة. وصارت أجواء الفرح تعمّ المنزل في فترة الميلاد. «نغني أغاني الميلاد التي حفظتها في المدرسة، نتدرّب على رقصات ستؤديها خلال حفل نهاية السنة. وكما نمدّ السجاد لاستقبال الشتاء ننزل الشجرة مطلع الشهر الأخير من السنة لنستقبل الميلاد»، كما تقول عليا، والدة جود. تعرف ابنة التسع سنوات الرواية المسيحية الكاملة للميلاد، وتصدّق أن «سانتا كلوز» سيضع لها هدية في الخامس والعشرين من الشهر، فتترك له طعاماً قبل أن تنام ليشبع بطنه ويأتي بهدية قيّمة. «ذات مرة كتبت له رسالة حول الهدايا التي تريد، ووضعتها عند الشجرة، استيقظت في اليوم التالي ونسيتُ أخذ الرسالة، فقالت لي: شو قصته سانتا هالسنة؟»، تروي عليا.
كيف يحتفل المسلمون؟
هناك من يقارن بين أعياد الديانتين، فيعزو تقليد المسلمين للمسيحيين لنقص السعادة والفرح والأجواء الاحتفالية التي ترافق أعيادهم. «ليس لدينا أغان لعيد الفطر أو الأضحى نحفظها لأولادنا، وهدايانا مادية سميناها عيدية، وحتى عندما نلبسهم ثياباً جميلة نلحق بهم حتى لا تتسخ. نحن لا نزين شوارعنا ومنازلنا. وإذا احتفلنا نحتفل ليوم واحد فقط»، تشكو سيدة مسلمة. وتوافقها شمس الدين الرأي، فـ«المسلمون عادة يحتفلون على نطاق ضيّق وأحياناً لا يحتفلون بأعيادهم بالمرّة، ويفتقدون إلى مظاهر الاحتفال ذات النمط الاستهلاكي المرتبط بالهدايا والزينة. لكن، في السنوات الأخيرة بدأ يظهر نوع من التقليد في إحياء المناسبات كنوع من التعويض مثل الاستعاضة عن العيدية بالهدايا وتعليق الزينة في ولادة النبي محمد وإجراء المسابقات الرمضانية».