من الصعب فهم أسباب إقفال مسلمين كثر باب الاجتهاد وتطوير الافكار الدينية لمجاراة العصر بتطوره العلمي والحضاري، وليس تماشياً مع انحلال القيم الاخلاقية. فالارهاب الذي نشهده اليوم هو نتاج تلك الاصولية التي تحولت بفعل الزمن بعدما عجزت عن مواكبة المتغيرات المتسارعة في عالم اليوم. وبدل ان تكون عودة الى الاصول، إذ بها صارت تفنّناً في ممارسات وحشية كانت تقوم بها القبائل والشعوب القديمة، وهي يجب ألا تمت الى الاسلام أو إلى أي دين إلهي آخر بصلة. والحال تشبه حال المهاجرين منذ زمن بعيد، الذين حافظوا على لهجات قديمة في بلاد استوطنوها، وانماط حياتية وغذائية لم تعد تتوافر حتى في مسقطهم، وبالتالي فإنهم لم يحفظوا تراثاً، بل تقاليد بالية، ولم يركبوا موج التجديد، فصاروا غرباء حيث هم.
تدفعني الى هذا الكلام تلك الحملة العنيفة التي انطلقت على إمام مسجد بوردو طارق أوبرو بعدما دعا المسلمين في فرنسا إلى الانسجام مع العقلية الفرنسية، موضحا أن العولمة جاءت بخطابات دينية جديدة وخطيرة مغايرة للخطابات التقليدية.
وقال الشيخ طارق أوبرو، في مقابلة مع جريدة “لو موند” إن “على الإسلام أن يتأقلم مع العقلية الفرنسية، وينبغي إعادة النظر في طريقة شرح الفقه الإسلامي، لأن الإسلام، بسبب مظاهره الخارجية، أصبح يزعزع ما يسمى الهوية الوطنية الفرنسية”، موضحا أن الفرنسيين غير مهيئين لفهم هذه المظاهر وقبولها.
وفي سؤال عن قانون العلمانية المعتمد في فرنسا، أكد أوبرو أنه من الضروري أن ينسجم الإسلام مع هذا القانون كي يسمح للمسلمين بالانخراط في شكل ناجح في المجتمع الفرنسي.
لكن اوبرو هذا ووجه بحملة انتقادات قاسية اعتبرته خارجاً عن الاسلام، وربما ملحداً، وعميلاً لأعداء الدين، كأنما العقل صار مناقضاً للاسلام، أو كأنّ آراء الاصوليين صارت هي السائدة، وفي إمكانها ان تمنع إعمال العقل في كل امر ديني او حياتي. والمؤسف ان اصوات المعتدلين انكفأت، ودور المفكرين والفقهاء المتنوّرين تراجع أمام التمدد التكفيري الذي يعاقب بالقتل، فعُدْنا الى لغة السيف، وانكفأ العقل الديني.
والامر لاحظه أيضاً إمام المسجد الكبير في باريس دليل بوبكر الذي حض الدول الإسلامية على التخلي عن “برودها” أمام المجازر التي ترتكب في حق المسيحيين والإيزيديين في العراق. وقال بوبكر: “أتمنى أن تخرج الدول الإسلامية قليلا من تحفظها وبرودها تجاه المجازر بحق المسيحيين والإيزيديين”، مضيفاً: “إنه وضع لا يجدر أن يسكت عنه المسلمون، هذا اعتقادي الشخصي”. وتابع أن “المشايخ والأئمة يتحدثون عن ذلك دائماً، ولكن هذا ليس كافياً”.
قد يعتبر بيان الأزهر الشريف في ختام مؤتمره عن الارهاب مهماً في هذا الشأن، وخصوصاً تأكيده أن جميع الفرق التى تستخدم العنف آثمة، وان تهجير المسيحيين فى بعض دول المشرق جريمة نكراء. لكنه يبقى وفق وصف إمام باريس “ليس كافياً”.